للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحينئذ، فقد يكونُ كثيرٌ ممَّن له صورةٌ حسنةٌ، أو مالٌ، أو جاهٌ، أو رياسةٌ في الدنيا، قلبه خرابًا من التقوى، ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبُه مملوءًا مِنَ التَّقوى، فيكون أكرمَ عند الله تعالى، بل ذلك هو الأكثر وقوعًا، كما في (الصحيحين) عن حارثةَ بن وهبٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ: كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ».

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتْ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ»، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي».

وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟».

فَقَالَ: «رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ».

قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟»، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ».

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا» (رواه البخاري).

وقال محمد بنُ كعب القُرَظيُّ في قوله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} (الواقعة:١ـ٣)، قال: تَخفِضُ رجالًا كانوا في الدُّنيا مرتفعين، وترْفَعُ رجالًا كانوا في الدُّنيا مخفوضين.

قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» يعني: يكفيه مِنَ الشرِّ احتقارُ أخيه المسلم، فإنَّه إنَّما يحتقرُ أخاه المسلم لتكبُّره عليه، والكِبْرُ من أعظمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>