للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• الظُّلم نوعان:

وقوله - عز وجل -: «وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» يعني: أنَّه تعالى حَرَّم الظلم على عباده، ونهاهم أنْ يتظالموا فيما بينهم، فحرامٌ على كلِّ عبدٍ أنْ يظلِمَ غيره، مع أنَّ الظُّلم في نفسه محرَّم مطلقًا، وهو نوعان:

أحدهما: ظلمُ النفسِ، وأعظمه الشِّرْكُ، كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان:١٣)، فإنَّ المشركَ جعل المخلوقَ في منزلةِ الخالق، فعبده وتألَّهه، فوضع الأشياءَ في غيرِ موضعها، وأكثر ما ذُكِرَ في القرآن مِنْ وعيد الظالمين إنَّما أُريد به المشركون، كما قال الله - عز وجل -: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (البقرة:٢٥٤)، ثمَّ يليه المعاصي على اختلاف أجناسها من كبائرَ وصغائرَ.

والثاني: ظلمُ العبدِ لغيره، وهو المذكورُ في هذا الحديث، وقد قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - في خطبته في حجة الوداع: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ» (رواه البخاري ومسلم).

وفي (الصحيحين) عن ابنِ عمر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أنَّه قال: «الظُلمُ ظُلُماتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ».وفيهما عن أبي موسى، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إذَا أخَذَهُ لم يُفْلِتْه»، ثمَُّ قَرَأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}. (هود:١٠٢).

رقدتْ عيونُ الظالمينَ ولم ... ترقدْ لمظلومٍ مظالمُهُ

ومَن اعتدَى فاللهُ خاذلُهُ ... ومَن اتقَى فاللهُ عاصمُهُ

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». (رواه البخاري).

<<  <  ج: ص:  >  >>