للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُحِبُّ مكارمَ الأخلاقِ جُهدي وأكرهُ أنْ أعيبَ وأنْ أعَابَا

وأصفحُ عن سبابِ الناسِ حِلمًا وشرُّ الناسِ مَن يهوَى السِبابَا

ومَن هابَ الرجالَ تهيَّبوه ومَن حَقَر الرجالَ فلن يُهابا

قال عمرُ بنُ عبد العزيز: «قد أفلحَ مَنْ عُصِمَ من الهوى، والغضب، والطمع».

وقال الحسن: «أربعٌ من كُنَّ فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَنْ ملك نفسَه عندَ الرغبة، والرهبة، والشهوةِ، والغضبِ».

فهذه الأربع التي ذكرها الحسن هي مبدأ الشرِّ كُلِّه، فإنَّ الرغبةَ في الشيء هي ميلُ النفس إليه لاعتقاد نفعه، فمن حصل له رغبةٌ في شيءٍ، حملته تلك الرغبة على طلب ذلك الشيء من كل وجه يَظُنُّه موصلًا إليه، وقد يكون كثير منها محرمًا، وقد يكون ذلك الشيءُ المرغوبُ فيه مُحرَّمًا.

والرهبة: هي الخوفُ من الشيء، وإذا خاف الإنسان من شيء تسبب في دفعه عنه بكلِّ طريق يظنه دافعًا له، وقد يكون كثير منها محرَّمًا.

والشهوة: هي ميلُ النفس إلى ما يُلائمها، وتلتذُّ به، وقد تميل كثيرًا إلى ما هو محرَّم كالزنا والسرقة وشرب الخمر، بل وإلى الكفر والسحر والنفاق والبدع.

والغضب: هو غليانُ دم القلب طلبًا لدفع المؤذي عندَ خشية وقوعه، أو طلبًا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعدَ وقوعه، وينشأ من ذلك كثيرٌ من الأفعال المحرمة كالقتل والضربِ وأنواعِ الظلم والعُدوان، وكثيرٍ من الأقوال المحرَّمة كالقذفِ والسبِّ والفحش، وكالأيمان التي لا يجوزُ التزامُها شرعًا، وكطلاق الزوجة الذي يُعقب الندمَ، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم وهو ابن الحارث بن أبي شعر، واسمه المنذر بن الحارث.

قالوا: كتب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأهدى له هدية، ثم لم يزل مسلمًا حتى كان

<<  <  ج: ص:  >  >>