وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِِعَ السُّوءِ، وصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي العُمْرِ». (حسن رواه الطبراني).
ولم أرَ مِثْلَ جَمْعِ المالِ دَاءً ولا مِثْلَ البخيلِ به مُصابَا
فلا تقتلْكَ شهوتُهُ وزِنْها كما تَزِنُ الطعامَ أو الشَّرابَا
وخذْ لبَنِيكَ والأيامِ ذُخْرًا ... وأعطِ اللهَ حِصَّتَه احْتِسَابَا
وقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئًا مِنْ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهَا لَحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا». (صحيح رواه الإمام أحمد).
فإن الصدقة على وجهها إنما يقصد بها ابتغاء مرضاة الله والشياطين بصدد منع الإنسان من نيل هذه الدرجة العظمى فلا يزالون يأبون في صده عن ذلك، والنفس لهم على الإنسان ظهيرة؛ لأن المال شقيق الروح، فإذا بذله في سبيل الله فإنما يكون برغمهم جميعًا، ولهذا كان ذلك أقوى دليلًا على استقامته وصدق نيته ونصوح طويته.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» (رواه مسلم).
(مَا نَقَصَتْ صَدَقَة مِنْ مَال) ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدهمَا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَك فِيهِ، وَيَدْفَع عَنْهُ الْمَضَرَّات، فَيَنْجَبِر نَقْص الصُّورَة بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّة، وَهَذَا مُدْرَك بِالْحِسِّ وَالْعَادَة.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَته كَانَ فِي الثَّوَاب الْمُرَتَّب عَلَيْهِ جَبْر لِنَقْصِهِ، وَزِيَادَة إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة.
(وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا) فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ:
أَحَدهمَا: أَنَّهُ عَلَى ظَاهِره، وَأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْح سَادَ وَعَظُمَ فِي الْقُلُوب، وَزَادَ عِزّه وَإِكْرَامه.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَاد أَجْره فِي الْآخِرَة وَعِزّه هُنَاكَ.
(وَمَا تَوَاضَعَ أَحَد للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ). فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ: