والرَّخاء؟ هل نزّهْتَ أذنَكَ عن سماع ما يغضب الله؟ هل غضَضْتَ بصرك عن محارم الله؟ هل غضبت لله؟ هل أحببت في الله؟ هل أبغضت في الله؟ هل أعطيت لله، ومنعت لله؟ هل استسلمت لأمر الله؟ هل استسلمت لأمره يوم يأمرك بالحجاب فحجبت أهل بيتك امتثالًا لقول الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} (الأحزاب:٥٩)؟
الأسئلة كثيرة تترد عليك صباح مساء، إن كان الجواب بنعم فأنت من الناجحين الفائزين بإذن رب العالمين، وإن كان الجواب بلا فَعُدْ إلى الله ما دمت في زمن الإمهال، واندم واقلع وردّ المظالم لأهلها قبل وضع الميزان، وتطاير الصحف، وعبور الصراط يوم ينسى الخليل خليله، والصاحب صاحبه، وكلٌ يقول: نفسي نفسي، والرسل تقول: اللهم سلِّم سلِّم.
أيها المُمْتَحَن ـ وكلنا مُمْتحَن ـ تذكر وقوفك لاستلام النتيجة، يوم يوقف العبد بين كفتي الميزان، فإن ثقل ميزانه يطرب ويفرح ويقول: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَه} وإن خفَّ ميزانه فذاك هو الرسوب. عندها يقول: {يَا لَيتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَه}.
مَثِّلْ وقُوفَكَ يومَ العرضِ عُريانَا ... مُستوحشًا قَلِقَ الأحشاءِ حَيْراناَ
النارُ تَلْهَبُ مِن غيظٍ ومِن حَنَقٍ ... على العصاةِ وربُّ العرش غَضبانَا
اقرَأ كتابَك يا عبدُ على مَهَلٍ ... فهل ترى فيه حَرفًا غيْرَ مَا كانَا
فلما قرأتَ ولم تُنكِرْ قراءَتَه ... إقرارَ مَن عَرفَ الأشياءَ عِرفانَا
نادَى الجليلُ خُذوهُ يا ملائكَتَي ... وامْضُوا بعَبدٍ عَصَى ـ للنَّارِ ـ عطشَانَا
المشركونَ غدًا في النار تَلتهبُ ... والمؤمنونَ بدارِ الخلدِ سُكَانَا
بأي لسان نُجيب حين نُسْأل عن عملنا القبيح؟
بأي لسان تجيب يوم تُسأل يا أيها الممتحَن عن عمرك فيما أفنيته وشبابك فيما أبليته ومالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته وعن علمك ماذا عملت فيه؟
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ» (حسن رواه الترمذي).
(فِيمَا أَفْنَاهُ) أَيْ صَرَفَهُ (وَعَنْ شَبَابِهِ) أَيْ قُوَّتِهِ فِي وَسَطِ عُمُرِهِ (فِيمَا أَبْلَاهُ) أَيْ ضَيَّعَهُ. والْمُرَادُ سُؤَالُهُ عَنْ قُوَّتِهِ وَزَمَانِهِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْهُ عَلَى أَقْوَى الْعِبَادَةِ. (وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اِكْتَسَبَهُ) أَيْ أَمِنْ حَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ؟ (وَفِيمَا أَنْفَقَهُ) أَيْ فِي طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ.
بأي قدم ٍتقف غدًا بين يديه بأي عين تنظر إليه بأي قلب تجيب عليه؟ فكيف بك إن شقيت؟ فيا أيها الممتحنون غدًا ـ وكلنا ممتحن ـ لمثل هذه المواقف فأعدوا وتذكروا بامتحان الدنيا وقوفكم بين يدي المولى إذ تعدوا وأعدوا وتزودوا وخير الزاد التقوى.
وليكن لسان حال كل منا لنفسه:
ستَنْدَمُ إنْ رَحَلتَ بغيرِ زادِ ... وتشقَى إذْ يُناديكَ المنادِي
فما لكَ ليسَ يعملُ فيكَ وعظٌ ... ولا زجرٌ كأنكَ مِن جمادِ
فتُبْ عَمّا جَنَيْتَ وأنتَ حَيٌّ ... وكُنْ مُتَيَقِّظًا قبلَ الرُّقَادِ
تَيَّقظْ للذِي لا بُدَّ مِنْهُ ... فإنّ الموتَ ميقاتُ العبادِ
أتَرْضَى أنْ تكونَ رفيقَ قومٍ ... لهم زادٌ وأنتَ بغيرِ زادِ
جدّ واتعبْ أيها الطالب وانصب فوالذي نفسي بيده لن تجد طعم الراحة إلا عند أول قدم تضعها في الجنة.
فانتبِهْ مِن رَقْدَةِ ... غَفْلةٍ فالعمرُ قليلْ
واطْرِحْ (سوفَ) و (حتَّى) ... فإنهم داءٌ دخِيلْ
• امتحان القلوب:
قلوبنا ـ أيها الأخوة ـ ممتحنة صباح مساء، تمتحن في كل لحظة من لحظات حياتنا، فهل نحن منتبهون لهذا، فغلطة واحدة قد تودي بحياة هذا القلب، وتحبط ذلك