قَوْلُهُ: (فِي حَجَّتِهِ) أَيْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.(إِنِّي تَرَكْت فِيكُمْ مَنْ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ) أَيْ اِقْتَدَيْتُمْ بِهِ وَاتَّبَعْتُمُوهُ.(كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي) الْمُرَادُ بِالْأَخْذِ بِهِمْ التَّمَسُّكُ بِمَحَبَّتِهِمْ وَمُحَافَظَةُ حُرْمَتِهِمْ وَالْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِمْ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَقَالَتِهِمْ، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَخْذَ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.والتَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ وَهُوَ الِائْتِمَارُ بِأَوَامِرِ اللهِ وَالِانْتِهَاءُ عَنْ نَوَاهِيهِ، وَمَعْنَى التَّمَسُّكُ بِالْعِتْرَةِ مَحَبَّتُهُمْ وَالِاهْتِدَاءُ بِهَدْيِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلدِّينِ.أما الكتاب؛ فلأنه معدن العلوم الدينية والحكم الشرعية، وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين؛ فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق، ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته.والمراد بعِتْرته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن، أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام، وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، فإذا كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا إتباعه كائنًا ما كان.وعن زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ تقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ» فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي». (رواه مسلم).وعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ب قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي: أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا» (صحيح رواه الترمذي).(أَحَدُهُمَا) وَهُوَ كِتَابُ اللهِ (أَعْظَمُ مِنْ الْآخِرِ) وَهُوَ الْعِتْرَةُ.(كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) أَيْ يُوصِلُ الْعَبْدَ إِلَى رَبِّهِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى قُرْبِهِ. ... == (وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي) أَيْ وَالثَّانِي عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي.فرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُوصِي الْأُمَّةَ بِحُسْنِ الْمُخَالَقَةِ مَعَهُمَا وَإِيثَارِ حَقِّهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَمَا يُوصِي الْأَبُ الْمُشْفِقُ النَّاسَ فِي حَقِّ أَوْلَادِهِ.(وَلَنْ يَتَفَرَّقَا) أَيْ كِتَابُ اللهِ وَعِتْرَتِي فِي مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ، (حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ) أَيْ الْكَوْثَرَ يَعْنِي فَيَشْكُرَانِكُمْ صَنِيعَكُمْ عِنْدِي.(فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي) أَيْ كَيْفَ تَكُونُونَ بَعْدِي خُلَفَاءَ أَيْ عَامِلِينَ مُتَمَسِّكِينَ بِهِمَا.(انظر: (فيض القدير شرح الجامع الصغير) للمناوي، و (تحفة الأحوذي) للمباركفوري).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute