للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطوبى لمن ذل في نفسه، وطاب كسبه، وأصلح سريرته، وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله.

١٢٨٥ - طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس (١)، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووَسِعَتْهُ السُّنّة فلم يعْدِل عنها إلى البدعة.


(١) عن أبي هريرة سدد خطاكم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يُبْصِرُ أحَدُكُمُ القَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ , ويَنْسَى الجِذْعَ في عَيْنِه» (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).
وعن أبي هريرة، قال: «يُبْصِرُ أحَدُكُمُ القَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْلَ- أَوِ الْجِذْعَ - فِي عَيْنِ نَفْسِهِ». قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: «الْجِذْلُ: الْخَشَبَةُ الْعَالِيَةُ الْكَبِيرَةُ». (رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سدد خطاكم قَالَ: «عَجِبْتُ مِنَ الرَّجُلِ يَفِرُّ مِنَ الْقَدَرِ، وَهُوَ مُوَاقِعُهُ! وَيَرَى الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَيَدَعُ الْجِذْعَ فِي عَيْنِهِ! وَيُخْرِجُ الضَّغْنَ مِنْ نَفْسِ أَخِيهِ، وَيَدَعُ الضَّغْنَ فِي نَفْسِهِ! وَمَا وَضَعْتُ سِرِّي عِنْدَ أحد فَلُمْتُه على إفشاءه، وَكَيْفَ أَلُومُهُ وَقَدْ ضِقْتُ بِهِ ذراعاً؟». (رواه البخاري في الأدب المفرد، وقال الألباني: «صحيح الإسناد».
(القذاة): واحدةُ القَذى، وهي ما يقعُ في العَين والماء والشراب من تُراب أو تبن أو وَسَخ أو غير ذلك.

(فِي عَيْنِ أَخِيهِ) في الإسلام , (ويَنْسَى الجِذْعَ) واحد جذوع النخل (فِي عَيْنِه) كأن الإنسان لنقصه وحب نفسه يتوفر على تدقيق النظر في عيب أخيه فيدركه مع خفائه فيعمى به عن عيبٍ في نفسه ظاهر لا خفاء به، مثلٌ ضرب لمن يرى الصغير من عيوب الناس ويعيّرهم به وفيه من العيوب ما نِسْبَتُه إليه كنسبة الجذع إلى القذاة، وذلك من أقبح القبائح وأفضح الفضائح، فرحم الله من حفظ قلبه ولسانه، ولزم شأنه وكَفّ عن عِرْض أخيه، وأعرض عما لا يعنيه، فمن حفظ هذه الوصية دامت سلامته وقَلَّتْ ندامته؛ فتسليم الأحوال لأهلها أسلم، والله أعلى وأعلم، ولله در القائل:
أرَى كُلَّ إنسانٍ يرَى عيْبَ غيْرِهِ ... ويَعْمَى عن العيبِ الذي هُوَ فِيه
فلَا خيرَ فيمن لا يرى عيْبَ نفْسِه ... ويَعْمَى عنِ العيبِ الذي بأخِيه

[انظر: فيض القدير (٦/ ٤٥٦)]

<<  <  ج: ص:  >  >>