للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أعظم بركاته - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا الدين الذي بعث به، فمَن قَبِلَها سعد في الدنيا والآخرة، ومَن ردّها خسر الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: ١٠٧) وما هذا النكد وهذا الشقاء الذي تعيشه البشرية إلا لبعدها عن هذه الرسالة العظيمة.

أضف إلى ذلك صورًا من بركاته الحسية: من تكثيره الطعام، ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة.

عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ «مَا لَكُمْ؟». قَالُوا: «لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلاَ نَشْرَبُ إِلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ»، فَوَضَعَ يَدَهُ فِى الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا.

قُلْتُ: «كَمْ كُنْتُمْ؟».

قَالَ: «لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً» (رواه البخاري ومسلم).

(الرَّكْوة) إناءٌ صغير من جِلْدٍ يُشْرَب فيه الماءُ والجمع رَكَوات بالتحريك ورِكاءٌ.

(جَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ) أَيْ أَسْرَعُوا لِأَخْذِ الْمَاء.

وعَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - خَمَصًا فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ لَهَا: «هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - خَمَصًا شَدِيدًا»، فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ.

فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي فَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَقَالَتْ: «لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَمَنْ مَعَهُ». فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَدْ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَتْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا؛ فَتَعَالَ أَنْتَ فِي نَفَرٍ مَعَكَ»، فَصَاحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَقَالَ: «يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكُمْ سُورًا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ».

<<  <  ج: ص:  >  >>