للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونمَتْ وفاضت عليهم الأزراق ولَأكَلُوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم من فيض الرزق ووفرة النتاج وحسن التوزيع وصلاح أمر الحياة.

ويبدو من خلال الآيتين أن الإيمان والتقوى وتحقيق منهج الله في واقع الحياة البشرية في هذه الحياة الدنيا لا يكفل لأصحابه جزاء الآخرة وحده وإن كان هو المقدم، وهو الأدوم، ولكنه كذلك يكفل صلاح أمر الدنيا ويحقق لأصحابه جزاء العاجلة وفرة ونماء وحُسن توزيع وكفاية يرسمها في صورة حسية تجسم معنى الوفرة والفيض في قوله تعالى: {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}.

وهكذا يتبين أنْ ليس هنالك طريق مستقل لحسن الجزاء في الآخرة؛ وطريق آخر مستقل لصلاح الحياة في الدنيا إنما هو طريق واحد تصلح به الدنيا والآخرة فإذا تُنُكِّبَ هذا الطريق فسدت الدنيا وخسرت الآخرة.

هذا الطريق الواحد هو الإيمان والتقوى وتحقيق المنهج الإلهي في الحياة الدنيا وهذا المنهج ليس منهج اعتقاد وإيمان وشعور قلبي وتقوى فحسب، ولكنه - كذلك وتبعا لذلك - منهج حياة إنسانية واقعية يقام وتقام عليه الحياة وإقامته مع الإيمان والتقوى هي التي تكفل صلاح الحياة الأرضية وفيض الرزق ووفرة النتاج وحسن التوزيع حتى يأكل الناس جمعيًا في ظل هذا المنهج من فوقهم ومن تحت أرجلهم.

إن الأصل في طبيعة الحياة الإنسانية أن يلتقي فيها طريق الدنيا وطريق الآخرة؛ وأن يكون الطريق إلى صلاح الآخرة هو ذاته الطريق إلى صلاح الدنيا وأن يكون الإنتاج والنماء والوفرة في عمل الأرض هو ذاته المؤهل لنيل ثواب الآخرة كما أنه هو المؤهل لرخاء هذه الحياة الدنيا؛ وأن يكون الإيمان والتقوى والعمل الصالح هي أسباب عمران هذه الأرض كما أنها هي وسائل الحصول على رضوان الله وثوابه الأخروي.

<<  <  ج: ص:  >  >>