للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- أي ألقى الوحي في خَلَدي وبالي أو في نفسي أو قلبي أو عقلي من غير أن أسمعه ولا أراه، أما الرَّوْع - بفتح الراء - فهو الفزع ولا دخل له هنا، (أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أجَلَهَا) الذي كتبه لها الملَك وهي في بطن أمها، (وتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا) كذلك؛ فإنه - سبحانه وتعالى - قسم الرزق وقدَّره لكل أحد بحسب إرادته لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص بحسب علمه القديم الأزلي، (فَاتَّقُوا اللهَ) أي ثِقُوا بضمانه، لكنه أمرنا تعبدًا بطلبه مِن حِلّه؛ فلهذا قال (وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ) بأن تطلبوه بالطرق الجميلة المحَلّلَة بغير كَدّ ولا حِرْص، ولا تهافت على الحرام والشبهات، أجْمَلَ: أي طلب في قصدٍ واعتدال مع عدم انشغال القلب، (وَلَا يَحْمِلَنّ أحَدَكُم اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ) أي اسْتِبْطَاءُ حصول الرزق (أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيةِ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ) من الرزق وغيرِه (إِلَّا بِطَاعَتِهِ) فإنّ ما عند الله لايُنال بالحرام.

١١ - عدم الحلف في البيع:

فعن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ: «الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» (رواه البخاري ومسلم).

(الْحَلِف) أَيْ الْيَمِين الْكَاذِبَة. (مَنْفَقَة) مِنْ النَّفَاقِ - بِفَتْحِ النُّونِ - وَهُوَ الرَّوَاجُ ضِدُّ الْكَسَادِ، وَالسِّلْعَة: الْمَتَاعُ. (مَمْحَقَة) الْمَحْقُ النَّقْص وَالْإِبْطَال.

وأَوْضَحَ الْحَدِيث أَنَّ الْحَلِفَ الْكَاذِبَ - وَإِنْ زَادَ فِي الْمَال - فَإِنَّهُ يَمْحَقُ الْبَرَكَةَ كَقَوْله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} (البقرة: ٢٧٦) أَيْ يَمْحَق الْبَرَكَةَ مِنْ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ زَائِدًا، لَكِنَّ مَحْقَ الْبَرَكَةِ يُفْضِي إِلَى اضْمِحْلَالِ الْعَدَد فِي الدّنْيَا، وَإِلَى اِضْمِحْلَال الْأَجْرِ فِي الْآخِرَةِ.

وهذا الحديث فِيهِ النَّهْي عَنْ كَثْرَة الْحَلِف فِي الْبَيْع، فَإِنَّ الْحَلِف مِنْ غَيْر حَاجَة مَكْرُوه، وَيَنْضَمّ إِلَيْهِ تَرْوِيج السِّلْعَة، وَرُبَّمَا اِغْتَرَّ الْمُشْتَرِي بِالْيَمِينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>