للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي حاجّ إبراهيم في ربه وهذان يتفقان مع هذا الملك في أمرين هما: الكفر بالله، والملك على الناس.

ونجد في رد الجليس نفيًا لربوبية الملك المدعاة من خلال إثبات ربوبية الله وحده على الملك حيث إنه ليس هناك رب لرب وبذلك يكون الجليس قد سوى بين الملك والناس في عبوديتهم لله - سبحانه وتعالى - ولم يكن الجليس ليستطيع هذه المواجهة إلا إذا خالط قلبه بشاشة الإيمان لأنه حينما يكون ذلك، تكون الثقة والطلاقة والقوة، وهؤلاء هم سحرة فرعون يسجدون لله بعد أن علموا أن موسى رسول الله وليس ساحرًا فيهددهم فرعون قائلًا: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (٧١)} (طه: ٧١). فيردون عليه قائلين: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢)} (طه: ٧٢).

وهكذا أيضًا تعامل الملك مع الجليس «فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ».

لم يقتله فورًا حتى يكشف بقية المؤمنين.

فَجِيءَ بِالْغُلَامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ»، فَقَالَ: «إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ» فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ: «ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ»، فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: «ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ» فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ.

الملك الكافر يقول: (أَيْ بُنَيَّ) كلمة كلها مكر وخبث وضغط على نفس الغلام، وإغراء له بالقرب منه بما يتضمن هذا القرب من مستقبل زاهر وحياة مترفة، ويقول الملك: «قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ»، وقد حاول الملك بهذه العبارة أن يسرق ما كسبه الغلام من تقدير في نفوس الناس بأن يعود

<<  <  ج: ص:  >  >>