للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتبدأ الإشارة إلى الحادث بإعلان النقمة على أصحاب الأخدود: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}. وهي كلمة تدل على الغضب، غضب الله على الفعلة وفاعليها. كما تدل على شناعة الذنب الذي يثير غضب الحليم، ونقمته، ووعيده بالقتل لفاعليه. ثم يجيء تفسير الأخدود: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} والأخدود: الشق في الأرض. وكان أصحابه قد شقوه وأوقدوا فيه النار حتى ملأوه نارًا، فصارت النار بدلًا في التعبير من الأخدود للإيحاء بتلهب النار فيه كله وتوقدها.

قتل أصحاب الأخدود، واستحقوا هذه النقمة وهذا الغضب، في الحالة التي كانوا عليها وهم يرتكبون ذلك الإثم، ويزاولون تلك الجريمة: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧)}. وهو تعبير يصور موقفهم ومشهدهم، وهم يوقدون النار، ويلقون بالمؤمنين والمؤمنات فيها وهم قعود على النار، قريبون من عملية التعذيب البشعة، يشاهدون أطوار التعذيب، وفعل النار في الأجسام في لذة وسعار، كأنما يثبتون في حسهم هذا المشهد البشع الشنيع!

وما كان للمؤمنين من ذنب عندهم ولا ثأر: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩)} فهذه جريمتهم أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد. العزيز القادر على ما يريد، الذي له العزة التي قهر بها كل شيء. وهو الحميد في أقواله وأوصافه وأفعاله، المستحق للحمد في كل حال، والمحمود بذاته ولو لم يحمده الجهال! وهو الحقيق بالإيمان وبالعبودية له. وهو وحده الذي له ملك السماوات والأرض وهو يشهد كل شيء.

وهو الشهيد على ما كان من أمر المؤمنين وأصحاب الأخدود، وهذه لمسة تُطَمْئِنُ قلوب المؤمنين، وتهدد العتاة المتجبرين. فالله كان شهيدًا. وكفى بالله شهيدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>