{قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (٨)} (الزمر: ٨). نعم قليلًا، تمتع بكفرك قليلًا، قد يكون هذا القليل ستون سنة. قد يكون سبعون، قد يكون مائة، ولكن كم تساوي هذه الومضة في عمر الخلود الأبدي في الآخرة؟ كم تساوي هذه الومضة في عمر أبدي خالد في دار الجزاء. {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (١١٣)} (المؤمنون: ١٢ - ١٣). قالوا يومًا .. ثم تكاثروا اليوم، فرجعوا:{أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ}، {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا}(المؤمنون: ١١٤).
كان هذا القليل عشرات السنين، ولكنها أصبحت في عمر الخلود الأبدي في الآخرة يومًا، كلا فاليوم كثير، بعض يوم، بعض يوم وهم مستيقنون أنه بعض يوم فاسأل العادين. {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤)} (المؤمنون: ١٤).
هناك يأتي الجزاءُ الحقيقي. ولذا كانت آياتُ القرآنِ تتنزل على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تخاطبه وتلفتُ أنظارَ المؤمنين معه إلى أن القِصاص الحقيقي، والعقوبةَ الحقيقةَ والجزاء الذي ينتظرُ الظالمين والمتكبرين والمتجبرين من الكفار والفجرة والظلمة هناك: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦)} (الغاشية: ٢٥ - ٢٦). {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦)} (يونس: ٤٦). قد ترى شيئًا من عقوبتهم، وقد يتوفاك قبل ذلك.
ولكن العبرةُ بالمرجع إلينا، وهناك سيلقون ربًا كان شهيدًا على فعلهم كلِه، كلِ الذي فعلُوه لم يكن خافيًا على الله، كان مطلعًا عليه: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣)} (الزخرف: ٨٣). حينها كيف سيكون حالهم؟ {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} (المعارج: ٤٣ - ٤٤). فاليوم أبصارهم خاشعة، وكبرياؤهم ذليل، لماذا؟ {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}(المعارج: ٤٤). لأنهم في يوم الموعد، لقد وعدوا ذلك اليومَ.