على معرفة الكتاب، ولما أمر الله بالحكم بين الناس المتضمن للعدل والقسط نهاه عن الجور والظلم الذي هو ضد العدل فقال:{وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} أي: لا تخاصم عن مَن عرفت خيانته، مِن مُدَّعٍ ما ليس له، أو مُنكرٍ حقًّا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية. ويدل مفهوم الآية على جواز الدخول في نيابة الخصومة لمن لم يُعرَف منه ظُلم.
ما يترتب على كون الإسلام من عند الله:
أولًا: كماله وخلوه من النقائص:
يترتب على كون الإسلام من عند الله كماله وخلوه من معاني النقص والجهل والهوى والظلم، لسبب بسيط واضح هو أن صفات الصانع تظهر في ما يصنعه. ولما كان الله تعالى له الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ويستحيل في حقه خلاف ذلك، فان أثر هذا الكمال يظهر في ما يشرعه من أحكام ومناهج وقواعد، وبالتالي لا بد أن يكون كاملا.
وهذا بخلاف ما يصنعه الانسان ويشرعه فإنه لا ينفك عن معاني النقص والهوى والجهل والجَوْر؛ لأن هذه المعاني لاصقة بالبشر ويستحيل تجردهم عنها كل التجرد وبالتالي تظهر هذه النقائص في القوانين والشرائع التي يصنعونها.
ثانيًا: ويترتب أيضا على كون الإسلام من عند الله، أنه يظفر بقدر كبير جدًا من الهيبة والاحترام مِن قِبَل المؤمنين به، مهما كانت مراكزهم الاجتماعية وسلطاتهم الدنيوية؛ لأن هذه السلطات وتلك المراكز لا تُخْرِجُهم من دائرة الخضوع لله تعالى واحترام شرعه، وطاعة هذا الشرع طاعة اختيارية تنبعث من النفس وتقوم على الإيمان ولا يقسر عليها المسلم قسرًا.
وفي هذا ضمان عظيم لحسن تطبيق القانون الإسلامي وعدم الخروج عليه ولو مع القدرة على هذا الخروج.