وحدثنا غيره قال: اصطحب رسول للفضل ورجل كوفي في طريق خراسان فأقبل الكوفي يسأل عن أفعال الفضل، فأخبره بإنهابه الأموال الجليلة في العطايا، فقال له الكوفي: خبرني عن هذه الأموال التي يهبها يراها وينظر إليها؟ فقال: لا، قال: فمن هناك تهون عليه. فلما وصلا إلى الموضع دعا الفضل بالرسول وسأله عما رأى في طريقه وعما سمع، فأقبل يخبره حتى انتهى إلى خبر الكوفي فذكر له ما قال وكان متّكياً فاستوى جالساً ثم قال: يا غلام ائت صاحب بيت المال فاسأله عن حاصله، فقال: هو عشرة آلاف درهم، فقال تُحمل الساعة إلى دار العامة وتشقّ عنها البِدَر شقاً وتنثر في وسط الدار، قال: ففعل ذلك بها، ثم قال للرسول: هات صاحبك الكوفي، فأُتي به، وأمر الفضل بتفريق ذلك المال على زواره رجلاً رجلاً واسماً اسماً على مقاديرهم وما وقع لكل رجل منهم، ثم أمر للكوفي بمائة ألف درهم وقال: هذه لك لتنبيهك إيايّ على هذا الفعل، ومما قيل في ذلك:
كريمٌ كريم الأمهات مهذَّبٌ ... تحلّب كفاه الندى وأنامله
هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجّته المعروف والجود ساحله
جوادٌ إذا ما جئت للعرف طالباً ... حباك بما تحوي عليه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير روحه ... لجاد بها، فليتق الله سائله
وللبحتري في ذلك:
لو أن كفك لم تجد لمؤملٍ ... لكفاه عاجل وجهك المتهلل
أو أنّ مجدك لم يكن متقادماً ... أغناك آخر سوددٍ عن أول
علي بن يحيى النديم قال: دعاني المتوكل ذات يوم وهو مخمور قال: أنشدني قول عمارة في أهل بغداد، فأنشدته:
من يشتري مني ملوك المخرِّم ... أبع حسناً وابني هشامٍ بدرهم
وأعطي رجاءً بعد ذاك زيادةً ... وأمنح ديناراً بغير تندّم
وإن طلبوا مني الزيادة زدتهم ... أبا دُلفٍ والمستطيل ابن أكثم
فقال المتوكل: ويلي على ابن البوّال على عقبيه يهجو شقيق دولة بني العباس! قلت: يا سيدي من شقيق دولة بني العباس؟ فقال: القاسم بن عيسى فهل عندك من مديحه شيء؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قول الأعرابي الذي يقول:
أبا دلفٍ إن السماحة لم تزل ... مغلَّلةً تشكو إلى الله غلَّها
فبشّرها ربي بميلاد قاسمٍ ... فأرسل جبريلاً إليها فحلّها
ولبكر بن النطاح في أبي دلف:
بطلٌ بصدر حسامه وسنانه ... أجلان من صدرٍ ومن إيراد
ورث المكارم وابتناها قاسمٌ ... بصفائحٍ وأسنةٍ وجياد
يا عصمة العرب التي لو لم تكن ... حياً إذاً كانت بغير عماد
إن العيون إذا رأتك حدادها ... رجعت من الإجلال غير حداد
وإذا رميت الثغر منك بعزمةٍ ... فتّحتَ منه مواضع الأسداد
وكأن رمحك منقعٌ في عصفرٍ ... وكأن سيفك سلّ من فرصاد
لو صال من غضبٍ أبو دلفٍ على ... بيض السيوف لذبن في الأغماد
أذكى ونوّر للعداوة والهوى ... نارين نار دمٍ ونار رماد
وقال أبو هفان: أنشدته عبد العزيز بن أبي دلف بسر من رأى فبرّني ثم قال: هل خلق مثله؟ قلت: لا.
ولغيره في أبي دلف:
ولو يجوز لقال الناس كلهم ... لولا أبو دلفٍ ما أورق الشجر
قرمٌ إذا ما حوى في كفه حجراً ... يفيض في كفه من جوده الحجر
وأنشد أيضاً، رحمه الله:
خِلٌّ إذا جئته يوماً لتسأله ... أعطاك ما ملكت كفاه واعتذرا
يخفي صنائعه والله يظهرها ... إن الجميل إذا أخفيته ظهرا
وأنشد:
يداك يدٌ غيثها مرسلٌ ... وأخرى لأعدائها غائظه
فأما التي سيبها يرتجى ... فأجود بالمال من لافظه
وأما التي شرّها يتقى ... فنفس العدو بها فائظه
آخر:
فتىً عاهد الرحمان في بذل ماله ... فليس تراه الدهر إلا على العهد
فتىً قصرت آماله عن فعاله ... وليس على الحر الكريم سوى الجهد
آخر: