للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

داري رجل من بني برجا كبير فهو في بنائه لا يفتر ولا يقصر، فقال لي: أوتعرفه؟ قلت: لا، قال: كان ينبغي لك في قدرك ومحلك من هذه الدولة ألاّ يجتريء أحد أن يشتري شيئاً في جوارك إلا بأمرك لا سيما إذا كان ملاصقاً لك ولا ترضى لنفسك إلا بجار تعرفه، فقلت: لم يمنعني من ذلك إلا ما كنت فيه من الشغل بهذه الدعوة المباركة، فقال لي: فأين الحائط الذي يتصل بداره؟ فأومأت إليه، فقال: عليّ بنجار، فأُتي به، فقال: افتح هاهنا باباً، فأقبل عليه أبوه وقال: نشدتك الله يا بني أن لا تهجم على قوم لا تعرف لهم سبباً، وأقبل عليه أخوه بمثل ذلك، فامتنع دون فتح الباب، فلما رأيته قد ردّ أباه وأخاه أمسكت عن مسألته، ففتح الباب ودخل وأدخلني معه، فدخلت داراً حار بصري فيها من حسنها، كلها لؤلؤٌ تعشي العيون، فانتهى إلى رواق فيه مائة مملوك في قدّ واحد وزي واحد عليهم الأقبية الديباج المنسوجة والمناطق المذهبة، فلما نظروا إلى الفضل عدوا ووقفوا بين يديه وإذا شيخ بهيّ قد خرج من بعض تلك المجالس فقبل يده فقال: مرّ بنا ننظر في مرافق هذه الدار، فما دخلت مجلساً من مجالسه إلا وقد فرغ تخشيبه بالفرش الذي لا يحيط به الوصف، وكذلك مرافقها من الستور والبسط وغير ذلك، ثم قال للشيخ: مر بنا إلى عند الدواب، فدخلنا إصطبلاً فيه أربعمائة رأس من الدواب والبغال وغيرها، فوجدت ذلك الاصطبل أحسن بناء من داري، ثم خرج نحو دور النساء والشيخ بين يديه، فلما انتهى إلى الباب وقف الشيخ ودخل الفضل وجذبني إلى نفسه وأنا معه حتى دخلت بعض تلك الدور فإذا فيها مائة وصيفة كأنهن الأقمار قد أقبلن في حليهن وحللهن فوقفن بين يديه، فقال: يا محمد هذه الدار أجلّ أم دارك؟ فقلت: يا سيدي وما أنا وما داري! هذه تصلح للأمير لا غيره على تحرج مني في قولي، فقال: يا محمد هذه الدار بما فيها من الدواب والرقيق والفرش والأواني لك ولك عندي زيادة، فقلت في نفسي: يهب لي ملك غيره! فعلم ما في نفسي، فقال: يا محمد إني لما سألتك هذه الدعوة تقدمت إلى هذا القهرمان بشراء البراح وأن يعجل الفراغ منه ومن بنائه وحولت إليها ما ترى، فبارك الله لك فيها! وانصرف بي إلى عند أبيه وأخيه وحدثهما بما جرى، فرأيت أخاه جعفراً قد أمعض من ذلك وتغير وجهه تغيراً عرفته، ثم أقبل على أبيه يشكو الفضل ويقول: يتفرد بمثل هذه المكرمة من دوني فلو شاركني فيها لكانت يداً أشكرها منه، فقال: يا أخي بقي لك منها قطبها، قال: وما هو؟ قال: إن مولانا هذا لا يتهيأ له ضبط هذه الدار بما فيها إلا بدخل جليل فأعطه ذلك، فقال: فرجت عني يا أخ فرج الله عنك! فدعا من وقته بصكاك لخمس قريات واحتمل عني خراجها، فخرج عني وأنا أيسر أهل زماني، فهل تلومني يا أمير المؤمنين على ذكرهم والقول بفضلهم؟ فقال المأمون: ذهب القوم والله بالمكارم! ثم أمر لمحمد بمائة ألف درهم وتقدم إلى ابن أبي خالد بردّ مرتبته وتصييره في جملة خواصه. ري رجل من بني برجا كبير فهو في بنائه لا يفتر ولا يقصر، فقال لي: أوتعرفه؟ قلت: لا، قال: كان ينبغي لك في قدرك ومحلك من هذه الدولة ألاّ يجتريء أحد أن يشتري شيئاً في جوارك إلا بأمرك لا سيما إذا كان ملاصقاً لك ولا ترضى لنفسك إلا بجار تعرفه، فقلت: لم يمنعني من ذلك إلا ما كنت فيه من الشغل بهذه الدعوة المباركة، فقال لي: فأين الحائط الذي يتصل بداره؟ فأومأت إليه، فقال: عليّ بنجار، فأُتي به، فقال: افتح هاهنا باباً، فأقبل عليه أبوه وقال: نشدتك الله يا بني أن لا تهجم على قوم لا تعرف لهم سبباً، وأقبل عليه أخوه بمثل ذلك، فامتنع دون فتح الباب، فلما رأيته قد ردّ أباه وأخاه أمسكت عن مسألته، ففتح الباب ودخل وأدخلني معه، فدخلت داراً حار بصري فيها من حسنها، كلها لؤلؤٌ تعشي العيون، فانتهى إلى رواق فيه مائة مملوك في قدّ واحد وزي واحد عليهم الأقبية الديباج المنسوجة والمناطق المذهبة، فلما نظروا إلى الفضل عدوا ووقفوا بين يديه وإذا شيخ بهيّ قد خرج من بعض تلك المجالس فقبل يده فقال: مرّ بنا ننظر في مرافق هذه الدار، فما دخلت مجلساً من مجالسه إلا وقد فرغ تخشيبه بالفرش الذي لا يحيط به الوصف، وكذلك مرافقها من الستور والبسط وغير ذلك، ثم قال للشيخ: مر بنا إلى عند الدواب، فدخلنا إصطبلاً فيه أربعمائة رأس من الدواب والبغال وغيرها، فوجدت ذلك الاصطبل أحسن بناء من داري، ثم خرج نحو دور النساء والشيخ بين يديه، فلما انتهى إلى الباب وقف الشيخ ودخل الفضل وجذبني إلى نفسه وأنا معه حتى دخلت بعض تلك الدور فإذا فيها مائة وصيفة كأنهن الأقمار قد أقبلن في حليهن وحللهن فوقفن بين يديه، فقال: يا محمد هذه الدار أجلّ أم دارك؟ فقلت: يا سيدي وما أنا وما داري! هذه تصلح للأمير لا غيره على تحرج مني في قولي، فقال: يا محمد هذه الدار بما فيها من الدواب والرقيق والفرش والأواني لك ولك عندي زيادة، فقلت في نفسي: يهب لي ملك غيره! فعلم ما في نفسي، فقال: يا محمد إني لما سألتك هذه الدعوة تقدمت إلى هذا القهرمان بشراء البراح وأن يعجل الفراغ منه ومن بنائه وحولت إليها ما ترى، فبارك الله لك فيها! وانصرف بي إلى عند أبيه وأخيه وحدثهما بما جرى، فرأيت أخاه جعفراً قد أمعض من ذلك وتغير وجهه تغيراً عرفته، ثم أقبل على أبيه يشكو الفضل ويقول: يتفرد بمثل هذه المكرمة من دوني فلو شاركني فيها لكانت يداً أشكرها منه، فقال: يا أخي بقي لك منها قطبها، قال: وما هو؟ قال: إن مولانا هذا لا يتهيأ له ضبط هذه الدار بما فيها إلا بدخل جليل فأعطه ذلك، فقال: فرجت عني يا أخ فرج الله عنك! فدعا من وقته بصكاك لخمس قريات واحتمل عني خراجها، فخرج عني وأنا أيسر أهل زماني، فهل تلومني يا أمير المؤمنين على ذكرهم والقول بفضلهم؟ فقال المأمون: ذهب القوم والله بالمكارم! ثم أمر لمحمد بمائة ألف درهم وتقدم إلى ابن أبي خالد بردّ مرتبته وتصييره في جملة خواصه.

<<  <   >  >>