فوالله ما يدري كريمٌ مَطلتهِ ... أيشتدّ إن قاضاك أم يتضرع
قال: نعم، قالت: أعطاك الله مناك! وأنت القائل:
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
فما أنا بالداعي لعزة في الورى ... ولا شامتٍ إن نعل عزة زلّت
وكنت كذي رجلين، رجلٍ صحيحةٍ ... ورِجلٍ رمى فيها الزمان فشلّت
قال: نعم، قالت: أحسن الله إليك! ثم دخلت وخرجت وقالت: أيكم نُصَيب؟ فقال: ها أنا ذا، قالت: أنت القائل:
ولولا أن يقال صبا نصيبٌ ... لقلت بنفسي النّشأ الصغارُ
ألا يا ليتني قامرت عنها ... وكان يحلّ للناس القمار
فصارت في يدي وقمرت مالي ... وذاك الربح لو علم التِّجار
على الإعراض منها والتواني ... فإن وعدت فموعدها ضمار
بنفسي كل مهضومٍ حشاها ... إذا قهرت فليس لها انتصار
إذا ما الزُّلُّ ضاعفن الحشايا ... كفاها أن يُلاث بها إزار
ولو رأت الفراشة طار منها ... مع الأرواح روحٌ مستطار
قال: نعم، قالت: والله إن إحداهن لتقوم من نومتها فما تحسن أن تتوضأ! لا حاجة لنا في شعرك، ثم دخلت وخرجت وقالت: أيكم جميل؟ قلت: أنا، قالت: أنت القائل:
لقد ذرفت عيني وطال سفوحها ... وأصبح من نفسي سقيما صحيحها
ألا ليتنا كنا جميعاً وإن نمت ... يجاور في الموتى ضريحي ضريحها
أظل نهاري مستهاما ويلتقي ... مع الليل روحي في المنام وروحها
فهل لي في كتمان حبي راحةٌ ... وهل تنفعنّي بوحةٌ لو أبوحها
قال: نعم، قالت: بارك الله فيك! وأنت القائل:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلاً بكى من حبّ قاتله قبلي
أبيت مع الهلاك ضيفاً لأهلها ... وأهلي قريبٌ موسعون ذوو فضل
فيا ربّ إن تهلك بثينة لا أعش ... فواقاً ولا أفرح بمالي ولا أهلي
ويا رب إن وقّيت شيئاً فوقّها ... حتوف المنايا ربّ واجمع بها شملي
قال: نعم، قالت: أحسنت أحسن الله إليك! وأنت القائل:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً ... بوادي القرى إني إذاً لسعيد
لكل حديثٍ عندهن بشاشةٌ ... وكلُّ قتيلٍ بينهنّ شهيد
ويا ليت أيام الصبا كنّ رجّعاً ... ودهراً تولّى يا بثين يعود
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحب قالت ثابتٌ ويزيد
وإن قلت ردّي بعض عقلي أعش به ... تناءت وقالت ذاك منك بعيد
فما ذكر الخلاّن إلا ذكرتها ... ولا البخل إلا قلت سوف تجود
فلا أنا مردودٌ بما جئت طالباً ... ولا حبها فيما يبيد يبيد
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها ويزيد
قال: نعم، قالت: لله أنت! جعلت لحديثها ملاحة وبشاشة وقتيلها شهيداً. وأنت القائل:
ألا ليتني أعمى أصمّ تقودني ... بثينة لا يخفى عليّ مكانها
قال: نعم، قالت: قد رضيت من الدنيا أن تقودك بثينة وأنت أعمى أصم؟ قال: نعم، ثم دخلت وخرجت ومعها مدهن فيه غالية ومنديل فيه كسوة وصرّة فيها خمس مائة دينار فصبّت الغالية على رأس جميل حتى سالت على لحيته ودفعت إليه الصرة والكسوة وأمرت لأصحابه بمائة مائة.