للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أماتت نفوساً من حياةٍ قريبةً ... وماتت فلم تُطلب بوترٍ ولا تبل

شققنا لها في الدنّ عيناً فأسبلت ... كما أخضلت عين الخريدة بالكحل

كأن فنيقاً بازلاً شقّ نحره ... إذا أسفرت منها الشعاع على البزل

ودارت علينا الكأس من كف ظبية ... مبتلةٍ حوراء كالرشإ الطفل

كأن ظباءً عكفاً في رياضها ... أباريقها أوجسن قعقعة النبل

وحن لنا عودٌ فباح بسره ... فكان عليه ساق جاريةٍ عطل

تضاحكه طوراً وتبكيه تارةً ... خدلَّجةٌ هيفاء ذات شوىً عبل

إذا ما علت منا ذؤابة واحد ... تمشت به مشي المقيد في الوحل

فلا نحن متنا موتة الدهر بغتةً ... ولا هي عادت بعد علٍ ولا نهل

سأنقاد للّذات متبع الهوى ... لأمضي همّاً أو أصيب فتىً مثلي

هل العيش إلا أن تروح مع الصبا ... وتغدو صريع الكأس والأعين النجل

قيل: وأدخل الفضل بن يحيى أبا نواس إلى عند الرشيد فقال له الرشيد: أنت القائل:

عُتقت في الدنّ حتى ... هي في رقة ديني

أحسبك زنديقاً! قال: يا أمير المؤمنين قد قلت ما يشهد لي بخلاف ذلك. قال: وما هو؟ قال قلت:

أية نارٍ قدح القادح ... وأي حدٍ بلغ المازح

لله درّ الشيب من واعظ ... وناصحٍ لو قبل الناصح

فاغد فما في الحق أغلوطةٌ ورح لما أنت له رائح

من يتق الله فذاك الذي ... سيق إليه المتجر الرابح

لا يجتلي الحوراء من خدرها ... إلا امرؤٌ ميزانه راجح

فاسم بعينيك إلى نسوةٍ ... مهورهن العمل الصالح

فقال الفضل: يا سيدي إنه ليؤمن بالبعث ويحمله المجون على ذكر ما لا يعتقده، ثم أنشد:

لقد دار في رسم الديار بكائي ... وقد طال تردادي بها وعنائي

كأني مريعٌ في الديار طريدةً ... أراها أمامي مرةً وورائي

فلما بدا لي حانٍ لا تهرّ كلابه ... عليّ ولا ينكرن طول ثوائي

فما رمته حتى أتى دون ما حوت ... يميني وحتى ريطتي وحذائي

وكأس كمصباح السماء شربتها ... على قبلةٍ أو موعدٍ بلقاء

أتت دونها الأيام حتى كأنها ... تساقط نورٍ من فتوق سماء

ترى ضوءها من ظاهر البيت ساطعاً ... عليك ولو غطيته بغطاء

تبارك من ساس الأمور بقدرةٍ ... وفضّل هاروناً على الخلفاء

نراك بخيرٍ ما انطوينا على التقى ... وما ساس دنيانا أبو الأمناء

إمام يخاف الله حتى كأنما ... يؤمِّل رؤياه صباح مساء

أشمَّ طوال الساعدين كأنما ... يناط نِجادا سيفه بلواء

<<  <   >  >>