حدثنا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم عن يحيى بن معين عن الحجاج عن أبي معشر قال: لما مات معاوية بن أبي سفيان وذلك في النصف من رجب سنة ستين ورد خبره على أهل المدينة في أول شعبان وكان على المدينة يومئذ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان غلاماً حدثاً يتحرج، فلما جاءه ما جاءه ضاق به صدره فأرسل إلى مروان بن الحكم، وهو الذي صرف به مروان عن المدينة، وكان في مروان حدة، فقال له الوليد: يا أبا عبد الملك إنه قد جاءنا اليوم شيء لم نكن نستغني معه عن استشارتك. قال: وما هو؟ قال: موت أمير المؤمنين. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات، رحمه الله! قال: نعم. قال: أتطيع أمري؟ قال: نعم. قال: أرسل إلى الحسين بن علي وإلى عبد الله بن الزبير فإن بايعا فخل سبيلهما وإن أبيا فاضرب أعناقهما، فأرسل إلى الحسين، رضوان الله عليه، وإلى عبد الله بن الزبير، رحمه الله، وبدأ بالحسين، عليه السلام، فمر الحسين في المسجد فأشار إليه ابن الزبير وهو قائم يصلي، فأتاه فقال للحرسيّ: تأخر أيها العبد. فتأخر الحرسي. فقال له: يا أبا عبد الله أتدري لأي شيء دعيت؟ قال: لا. قال: مات طاغيتهم فدعوك للبيعة فلا تبايع وقل له بالغداة على رؤوس الملإ. قال: فدخل الحسين، عليه السلام، فقال له الوليد: يا أبا عبد الله دعوناك لخير. قال: أي شيء هو؟ قال: مات أمير المؤمنين وقد عرفتم ولي عهدكم ومفزعكم وقد بايع أهل الشام والناس فادخل فيما دخل فيه الناس. قال: نعم بالغداة إن شاء الله. قال: لا بل الساعة. قال: ومثلي يبايع في جوف البيت! بالغداة أبايعك على رؤوس الناس. قال: لا بل الساعة. قال: ما أنا بفاعل. وخرج من عنده. فأرسل إلى ابن الزبير فقال: يا أبا بكر دعوناك لخير. قال: وما هو؟ قال: مات أمير المؤمنين. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمة الله عليه! قال: فيجعل يردد الترحم عليه وقد نظر ابن الزبير قبل ذلك إلى مروان وهو يناجي الوليد فتلا هذه الآية: " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين "، فقال: يا أبا بكر قد عرفتم ولي عهدكم ومفزعكم وقد بايع أهل الشام والناس فادخل فيما دخل فيه الناس. قال: نعم بالغداة إن شاء الله. قال: لا بل الساعة قال: ومثلي يبايع في جوف البيت! أبايعك على رؤوس الملإ. قال: لا بل الساعة قال: ما أنا بفاعل. فقال مروان للوليد: ما تصنع؟ أطعني واضرب أعناقهما، لئن خرجا من البيت لا تراهما أبداً إلا في شر. وكان الوليد متحرجاً، فقال: ما كنت لأقتلهما. فقال ابن الزبير لمروان: يا ابن الزرقاء أوتقدر على قتلنا؟ فقال مروان: إنه والله لو أطاعني ما خرجت ولا صاحبك من البيت حتى تضرب أعناقكما.
قال: فدعا الحسين، عليه السلام، برواحله فركب يتوجه نحو مكة على المنهج الأكبر وركب ابن الزبير، رحمه الله، دواب له وأخذ طريق الفُرع فأتى الحسين، عليه السلام، عبد الله بن مطيع وهو على بئره فنزل إليه وقال: يا أبا عبد الله أين تريد؟ قال: العراق، مات معاوية وجاءني أكثر من حمل صُحُف. قال: لا تفعل فوالله ما حفظوا أباك وكان خيراً منك، والله لئن قتلوك لا تبقى حرمةٌ بعدك إلا استحلت.