للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال عمر: أتدري ما قال؟ قال: اكتم على ابن عمك! قال: هو أعظم من ذاك، قال: اكتم على ابن عمك! قال: هو أعظم من ذاك. قال: أي شيء هو؟ قال: أخبرني أن حسيناً قد أقبل ومعه تسعون إنساناً بين رجل وامرأة. فقال: أما والله لو إلي أسرّ لرددتهم! لا والله لا يقاتلهم أحد غيرك. فبعث معه جيشاً، وجاء الحسين، عليه السلام، الخبر وهو بشراف فهمّ أن يرجع ومعه خمسة من بني عقيل فلقيه الجيش على خيولهم بوادي السباع، فقال بنو عقيل:أترجع وقد قتل أخونا؟ فقال الحسين، عليه السلام: ما لي عن هؤلاء من صبر، يعني بني عقيل. فأصاب أصحابه العطش فقالوا: يا ابن رسول الله اسقنا! فأخرج لكل فرس صحفة من ماء فسقاهم بقدر ما يمسك رمق أحدهم، ثم قالوا: سر بنا، وأخذوا به على الجرف حتى نزلوا كربلاء، فقال: هذا كربٌ وبلاء. فنزلوا وبينهم وبين الماء يسير، قال: فأراد الحسين، عليه السلام، وأصحابه الماء فحالوا بينهم وبينه. فقال له شمر بن ذي جوشن: لا تشربون أبداً حتى تشربون من الحميم. فقال العباس بن علي للحسين، عليه السلام: يا أبا عبد الله ألسنا على الحق؟ قال: نعم. فحمل عليهم فكشفهم عن الماء حتى شربوا وأسقوا، ثم بعث عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد أن قاتلهم. فقال الحسين، عليه السلام: يا عمر اختر مني إحدى ثلاث: تتركني أرجع كما جئت، وإن أبيت هذه فسيّرني إلى الترك أقاتلهم حتى أموت، وإن أبيت هذه فابعث بي إلى يزيد لأضع يدي في يده، وأرسل إلى ابن زياد بذلك.

فهمّ أن يسيّره إلى يزيد، فقال له شمر بن ذي جوشن: قد أمكنك الله منه، أو قال: من عدوّك، وتسيّره إلى الأمان إلا أن ينزل على حكمك! فأرسل إليه بذلك، فقال: لا حباً ولا كرامة انزل على حكم ابن سميّة. وكان مع عمر ابن سعد قريب من ثلاثين رجلاً من أهل الكوفة فقالوا: يعرض عليكم ابن ابنة رسول الله، عليه وعلى آله السلام، ثلاث خصال لا تقبلون منها شيئاً! فتحولوا مع الحسين، عليه السلام، فقاتلوا حتى قتلوا وقتل الحسين، رضي الله عنه، وجميع من معه، رحمهم الله، وحمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد فوضع بين يديه على ترس فبعث به إلى يزيد، فأمر بغسله وجعله في حريرة وضرب عليه خيمة ووكّل به خمسين رجلاً.

فقال واحد منهم: نمت وأنا مفكر في يزيد وقتله الحسين، عليه السلام، فبينا أنا كذلك إذ رأيت سحابة خضراء فيها نور قد أضاءت ما بين الخافقين وسمعت صهيل الخيل ومنادياً ينادي: يا أحمد اهبط، فهبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعه جماعة من الأنبياء والملائكة فدخل الخيمة وأخذ الرأس فجعل يقبله ويبكي ويضمّه إلى صدره، ثم التفت إلى من معه فقال: انظروا إلى ما كان من أمّتي في ولدي، ما بالهم لم يحفظوا فيه وصيتي ولم يعرفوا حقي؟ لا أنالهم الله شفاعتي! قال: وإذا بعدّة من الملائكة يقولون: يا محمد الله تبارك وتعالى يقرئك السلام وقد أمرنا بأن نسمع لك ونطيع فمرنا أن نقلب البلاد عليهم. فقال، صلى الله عليه وسلم: خلوا عن أمتي فإن لهم بلغةً وأمداً. قالوا: يا محمد إن الله جل ذكره أمرنا أن نقتل هؤلاء النفر! فقال: دونكم وما أمرتم به. قال: فرأيت كل واحد منهم قد رمى كل واحد منا بحربة، فقتل القوم في مضاجعهم غيري فإني صحت: يا محمد! فقال: وأنت مستيقظ؟ قلت: نعم. قال: خلوا عنه يعيش فقيراً ويموت مذموماً، فلما أصبحت دخلت على يزيد وهو منكسر مهموم فحدثته بما رأيت فقال: امض على وجهك وتب إلى ربك.

أبو عبد الله غلام الخليل، رحمه الله، قال: حدثنا يعقوب بن سليمان قال: كنت في ضيعتي فصلينا العتمة وجعلنا نتذاكر قتل الحسين، عليه السلام، فقال رجل من القوم: ما أحد أعان عليه إلا أصابه بلاء قبل أن يموت، فقال شيخ كبير من القوم: أنا ممن شهدها وما أصابني أمر كرهته إلى ساعتي هذه، وخبا السراج فقام يصلحه فأخذته النار وخرج مبادراً إلى الفرات وألقى نفسه فيه فاشتعل وصار فحمة.

قيل: ودخل سنان بن أنس على الحجاج بن يوسف فقال: أنت قتلت الحسين بن علي؟ قال: نعم. فقال: أما إنكما لن تجتمعا في الجنة، فذكروا أنهم رأوه موسوساً يلعب ببوله كما يلعب الصبيان.

قال: وقال محمد بن سيرين: ما رؤيت هذه الحمرة في السماء إلا بعدما قتل الحسين، عليه السلام، ولم تطمث امرأة بالروم أربعة أشهر إلا أصابها وضحٌ. فكتب ملك الروم إلى ملك العرب: قتلتم نبياً أو ابن نبي.

<<  <   >  >>