للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

نحمد الله حمد الشاكرين، ونؤمن به إيمان الموقنين، ونقر بوحدانيته إقرار الصادقين، ونصلّي على نبيّه وحبيبه سيد المرسلين، وعلى جميع إخوانه من النبيين، وعلى آله الطيبين، وصحبه الطاهرين.

وبعدُ، فإنّ العلوم كثيرة، والأعمار قصيرة، فالأولى صرف الهمّة إلى الأهمّ، والإقبال على ما له النفع الأعمّ، وهو علم الأحكام، المبيّن للحلال والحرام، الذي أُنزل لبيانه الآيات، وبيّن سيدنا عليه أفضل الصلوات والتحيّات؛ إذ هو قائد السّعادة، ورائد السّيادة، ووسيلة الزّلفى، وفيه شرف الآخرة والأولى.

وقد صنّف فيه العلماء رضوان الله وسلامه عليهم.

سلامٌ متى يُكتبْ على الطِّرس (١) عَطّرتْ ... كتابتُه الأقلامَ والطِّرسَ واليدا

واستوضحوا منه ما أظلم من معانيه، واستكشفوا ما أبهم من مبانيه، ثم هجس في خاطري أن ألخّص من كتبهم نسخةً فيها المسائلُ التي يكثر وقوعها، وتمسُّ الحاجة إليها، وتدور عليها واقعات الأمة، وتقتصر عليها رغبات الفقهاء والأئمة، وهي المختار للفتوى، والمسائل التي تعمّ بها البلوى، وكنت أتوانى في هذا الأمر إلى أن ترادفت الخواطر، وتوالت الخُطّاب، وتوفرت الدّواعي، وازدحمت الطّلاب، ظنًا منهم -وبعض الظنّ إثمٌ- أن عندي صُبابةً من أقداحه (٢)، أو وفور سهمٍ من قِداحه (٣)، فطفقت أشاور نفسي مقدِّمًا رِجلاً، ومؤخراً أخرى، متردداً في الاشتغال به، أو بالإقبال على ما هو أهمّ وأحرى، وهو "الكتاب الشافي في شرح الوافي" إذ شرعتُ فيه والشُّروع ملزِم، وكتبت أكثره وهو غير مُبرِم (٤)، وها أنا أكاد أتكئ عنه اتّكاء الفراغ، أشار إليّ مَن إشارته حُكمٌ، وطاعته غُنمٌ، بصرف العنان إلى هذا الجمع وكتابته، وهو المولى الأعظم، أستاذ علماء العالم، مربّي طوائف


(١) الطرّس: الصحيفة. يُنظر: الصّحاح ٣/ ٩٤٣، لسان العرب ٦/ ١٢١.
(٢) الأقداح: جمع قَدَح، وهو نوعٌ من الآنية، يروي الرجلين. يُنظر: المحكم ٢/ ٥٦٨، لسان العرب ٢/ ٥٤٤.
(٣) القِداح: جمع قِدْح، وهو السّهم قبل أن يُنصل. يُنظر: العين ٣/ ٤١، تهذيب اللغة ٤/ ٢١.
(٤) المُبرم: المُضجِر. يُنظر: الزاهر في معاني كلمات الناس ١/ ١٣٦، تاج العروس ٣١/ ٢٦٦.

<<  <   >  >>