قيل ذكر أَنه جلس يَوْمًا فِي مجْلِس كَانَ لَهُ بِدِمَشْق وَكَانَ ذَلِك الْمجْلس مفتح الجوانب يدْخل مِنْهُ النسيم من سَائِر جهاته فَبَيْنَمَا هُوَ جَالس ينظر وَكَانَ يَوْمًا شَدِيد الْحر لَا نسيم فِيهِ وَكَانَ وسط النَّهَار إِذْ نظر إِلَى رجل يمشي نَحوه وَهُوَ يتلظى من حر الرمضاء ويحجل فِي مشيته رَاجِلا حافياً فَتَأَمّله وَقَالَ لجلسائه هَل خلق الله رجلا أَشْقَى مِمَّن يحْتَاج إِلَى الْحَرَكَة فِي مثل هَذِه السَّاعَة فَقَالَ بَعضهم لَعَلَّه يقْصد أَمِير الْمُؤمنِينَ فأوصى حَاجِبه إِن طلبني هَذَا الْأَعرَابِي فَلَا تَمنعهُ من الدُّخُول عَليّ فَكَانَ كَذَلِك فَأدْخلهُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة مِمَّن الرجل فَقَالَ من تَمِيم قَالَ مَا الَّذِي جَاءَ بك فِي هَذَا الْوَقْت قَالَ جِئْت شكيا وَبِك مستجيراً قَالَ مِمَّن قَالَ من مروانَ بنِ الحكمِ بِمَا ملك وَأنْشد من // (الطَّوِيل) //
(مُعَاوِيَ يَا ذَا الحِلْمِ والجودِ والفَضْلِ ... وَيَا ذَا النَّدي والعِلْمِ وَالرُّشْدِ والنُّبْلِ)
(أَتيتُكَ لمَّا ضَاقَ فِي الأرْضِ مَذْهَبِي ... فَيَا غَوْثُ لَا تَقْطَعْ رَجَائِي مِنَ العَدْلِ)
(وَجُدْ لِي بِإِنْصَافٍ مِنَ الجَائِرِ الَّذِي ... بَلَانِي بِشَيءِ كانَ أَيْسَرُهُ قَتْلِي)
(سَبَانِيَ سُعْدَى وانبَرى لخُصُومَتِي ... وَجَارَ وَلم يَعْدِلْ وَغَاصَبَنِي أَهْلِي)
(وَهَمَّ بقتلى غيْرَ أَنَّ منِيَّتِي ... تَنَاءَتْ وَلم أسْتَكْمِلِ الرِّزْقَ مِنَْأجْلِي)
فَلَمَّا سمع مُعَاوِيَة إنشاده وَالنَّار تتوقد من فِيهِ قَالَ مهلا يَا أَخا الْعَرَب اذكر قصتك وأبِن عَن أَمرك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَت لي زَوْجَة وَكنت لَهَا محباً وَبهَا كلفَاً وَكَانَت لي صرمة من إبل نستعين بهَا على قيام حَالي فأصابتنا سنة سنتَاءُ حطمَة شَدِيدَة أذهبتِ الْخُف والحافر فَبَقيت لَا أملك شَيْئا فَلَمَّا ذهب مَا بيَدي بقيت مهاناً ثقيلا على النَّاس فَلَمَّا علم أَبوهَا مَا بِي من سوء الْحَال أَخذهَا مني وحجرني وطردني وَأَغْلظ عَليّ فَأتيت إِلَى عاملك مَرْوَان راجيَاً لنصرته فَلَمَّا أحضر أَبَاهَا سَأَلَهُ عَن حَالي فَقَالَ مَا أعرفهُ قبل الْيَوْم فَقلت أصلح الله أَمِير إِن رَأَى أَن يحضرها ويسألها عَن قَول أَبِيهَا فَلْيفْعَل فَبعث خلفهَا فأحضرها فَلَمَّا حضرت بَين يَدَيْهِ وقعَتْ مِنْهُ موقع الْإِعْجَاب فَصَارَ لي خصما وَعلي منكرَاً وَأظْهر لي الْغَضَب وَبعث بِي إِلَى السجْن فَبَقيت كأنني خَرَرْت من السَّمَاء واستهوت بِي الرّيح فِي مَكَان سحيق ثمَّ قَالَ لأَبِيهَا هَل لَك أَن تزَوجهَا مني على ألف دِينَار وَعشرَة آلَاف دِرْهَم لَك وَأَنا ضمن لَك خلاصها من هَذَا الْأَعرَابِي فَرغب أَبوهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute