نظره فِي حق نَفسه ثمَّ إِنَّه لم ير الْمُبَادرَة إِلَى إِظْهَاره والمطالبة بِمُقْتَضَاهُ حَتَّى بذل جهده فِي التنقير وَالنَّظَر وإمحاص الْفِكر فَإِن ذَلِك من الوقائع الْعَظِيمَة فِي الدّين وَفِيه تَفْرِيق كلمة من أجمع من الْمُسلمين فَلم يقنع فِيهِ بتبادر النّظر خشيَة استمالة الْهوى الْجبلي وَحب الرياسة الطبيعي وَلَا رأى الْمُوَافقَة لما اسْتَقر فِي ذهنه من رُؤْيَة أحقيته فِيمَا يسْتَحق بِهِ الْإِمَامَة وَتعين وجوب الْقيام بِالْأَمر عَلَيْهِ لكَونه أَحَق وَكَانَ ذَلِك فِي بَادِي النّظر قبل الإمعان فِيهِ فَتخلف عَن الْأَمريْنِ سالكاً فِي ذَلِك الطَّرِيق الْوَرع وَالِاحْتِيَاط فِيمَا عِنْده باذلاً جهده فِي الِاجْتِهَاد وَالنَّظَر تِلْكَ الْمدَّة مُجْتَهدا فَلَمَّا تبين لَهُ أحقية أبي بكر وفضيلته بتذكر مقتضيات الْأَفْضَلِيَّة وَوَافَقَ ذَلِك موت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أرسل إِلَى أبي بكر وَاعْتذر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ استبان أحقيته وَسِيَاق هَذَا اللَّفْظ مشْعر بِأَن تِلْكَ الرُّؤْيَة قد زَالَت وَلم يكن ذكره الْقَرَابَة إِقَامَة للحجة على أبي بكر فَإِنَّهُ يعْتَذر وَلَا تلِيق المحاجة بالمعتذر وَإِنَّمَا كَانَ إِظْهَارًا لمستند تخلفه وبياناً لمعتمد تمسكه لكيلاً يظنّ فِيهِ أَن تخلفه كَانَ لهوى مُتبع بِغَيْر هدى من الله تَعَالَى لَا عَن اجْتِهَاد وَنظر وَإِن لم يكن صَحِيحا إِذْ الْمُجْتَهد مَعْذُور وَإِن أَخطَأ وَلذَلِك كَانَ لَهُ أجر وَهَذَا التَّأْوِيل مِمَّا يجب اعْتِقَاده وَيَنْبَغِي الْمصير إِلَيْهِ وَمَا قَالَه بَعضهم من أَنه رَضِي الله عَنهُ إِمَّا أَن يعْتَقد صِحَة خلَافَة أبي بكر مَعَ أحقيته فَيكون تخلفه عَن الْبيعَة ومفارقة الْجَمَاعَة وَنزع ربقة الطَّاعَة عُدُولًا عَن الْحق وماذا بعد الْحق إِلَّا الضلال وَهُوَ مبرأ عَن ذَلِك ومنزه عَنهُ أَو لَا يعْتَقد صِحَّتهَا فَيكون قد أقرّ على الْبَاطِل لِأَنَّهُ رَضِي الله عَنهُ قد أقرّ الطير على مَكَانهَا وَلم يظْهر مِنْهُ نَكِير على فعلهم لَا بقول وَلَا بِفعل مَعَ قُوَّة إيمَانه وَشدَّة بأسه وَكثر ناصره وَكفى بفاطمة وَالْعَبَّاس عَمه وَبنى هَاشم بأجمعهم وَمن مَعَه من الصَّحَابَة ظهيراً ونصيراً مَعَ مَا أسس لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْقَوَاعِد فِي العقائد وَأَن موالاته ومحبته من محبته وَالدُّعَاء لمن وَالَاهُ وعَلى من عَادَاهُ وَمَعَ ذَلِك كُله لم يظْهر مِنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ حَال مثله من إِنْكَار الْبَاطِل بِحَسب طاقته فَلَو كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute