فَبعد مُدَّة ورد عَلَيْهِ كتاب من قَاسم باشا باني الْمدرسَة الْمَار ذكرهَا باني قد بنيت تِلْكَ الْمدرسَة لاجلك وشرطت درسها لَك مَا دمت حَيا فان لم تقبلهَا لاهدمنها من اساسها فاضطر المرحوم الى قبُولهَا فاعطيت لَهُ ثَانِيًا بِخَمْسِينَ فَلَمَّا مضى عَلَيْهِ بُرْهَة من الزَّمَان ابْتُلِيَ بتعليم مصطفى خَان بن السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان فَلَمَّا وصل اليه حل محلا رفيعا وَمُسْندًا منيعا وعلت كَلمته وَارْتَفَعت مرتبته وَكَانَ لَا يقطع امرا الا بمشورته وَلَا يفعل شيأ الا بمباشرته ومعرفته وَبَقِي فِي اوفر جَيش وارغد عَيْش حَتَّى غضب ابوه وَقصد دماره ثمَّ قَتله ومحا آثاره فَلَمَّا قتل بِحَرْبَة الْعَذَاب وتقطعت بِهِ الاسباب وَقتل بَعضهم السُّلْطَان وقهر فَلَا جرم تفَرقُوا من سطوته شذر مذر فَلَمَّا رأى المرحوم من بدره افوله سَاق الى دَار الخمول حموله وَتوجه ثَانِيًا الى الِانْقِطَاع من النَّاس خوفًا من حُلُول الباس فاستولى عَلَيْهِ من الْفقر والفاقة مَالا يحْتَملهُ طَاقَة وَكَانَ يكْتب فِي بعض ازمانه ويقتات باثمانه وَمَا اصدق من قَالَ حَيْثُ ابان عَن هَذِه الاحوال ... واني رَأَيْت الدَّهْر مُنْذُ صحبته ... محاسنه مقرونة بمعايبه
اذا سرني اول الامر لم ازل
على حذر من غمه فِي عواقبه ...
وَمَعَ ذَلِك لم يظْهر الْعَجز والاسف وَسَار سيرة السّلف وَستر الْحزن والكآبة وَعمر مَسْجده وَفتح بَابه وَأظْهر الاهتمام فِي أَدَاء وظائف الخدام حَتَّى حكم فرقة من النَّاس بَان هَذِه الْحَالَات لَيست الا مَحْض الكرامات وَقصد إِلَيْهِ بالنذور والقرابين ارباب السفن وَطَائِفَة الملاحين وَكَانَ رَحمَه الله قد حفر قَبره وتهيأ لمنونه وانتظره وادخر الفي دِرْهَم للتجهيز والتكفين وادى زَكَاته مُدَّة عشر سِنِين وَمَات رَحمَه الله من مرض الهيضة سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وقبره رَحمَه الله تَعَالَى عِنْد مَسْجده فِي قَصَبَة قَاسم باشا يسر الله فِي عقباه مَا شا وحزن النَّاس بِمَوْتِهِ وتبركوا بتربته وَقد ذهب عمره بالتجرد والانفراد وَلم يمل الى التوليد وَالِاسْتِيلَاد وَكَانَ رَحمَه الله بهي المنظر لطيف الْمخبر حُلْو المحاضرة حسن المحاورة مَوْصُوفا بالعفة وَالصَّلَاح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute