للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِنْهُم الْمَعْرُوف بدده خَليفَة

كَانَ رَحمَه الله من نواحي قَصَبَة سونسه من بعض الاتراك وَكَانَ فِي اول الامر من أَصْحَاب البضائع مشتغلا بِبَعْض الصَّنَائِع وعالج صَنْعَة الدباغة سِنِين حَتَّى أناف عمره على عشْرين وَمَا قرا حرفا من الْعُلُوم وَمَا اجْتمع بِوَاحِد من ارباب الفهوم ثمَّ من الله تَعَالَى عَلَيْهِ بأكبر آلائه فَصَارَ من أَعْيَان عصره وعلمائه كَانَ رَحمَه الله مشتغلا بِعَمَل الدباغة فِي بَلْدَة أماسيه فاتفق انه جَاءَ بهَا مفت من عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر فَاجْتمع فرقة من أَعْيَان الْبَلدة المزبورة لضيافة الْمُفْتِي الْمَزْبُور فَذَهَبُوا بِهِ الى بعض الحدائق وَذهب الْمولى الْمَزْبُور متلطفا لبَعض ارباب الْمجْلس فَلَمَّا باشروا أَمر الطَّعَام طلبُوا من يجمع لَهُم الْحَطب والمرحوم قَائِم على زِيّ الدباغين الجهلة فَقَالَ الْمُفْتِي الْمَزْبُور مُشِيرا الى المرحوم ليذْهب اليه هَذَا الْجَاهِل ففهم مِنْهُ المرحوم ازدراءه لشأنه وَعلم انه لَيْسَ ذَلِك الا من شَائِبَة الْجَهْل وَذهب الى جمع الْحَطب وَفِي نَفسه تأثر عَظِيم من ازدرائه وتحقيره فَلَمَّا بعدعنهم نزل على مَاء هُنَالك وتوضا مِنْهُ وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ضرب وَجهه على الارض وَتوجه بِكَمَال التضرع والابتهال الى جناب حَضْرَة المتعال وَطلب مِنْهُ الْخَلَاص من ربقة الْجَهْل وَالنُّقْصَان واللحوق بمعاشر الْفضل والعرفان متكلا على قَوْله تَعَالَى فَانِي قريب اجيب دَعْوَة الداع اذا دعان ثمَّ قَامَ وَأخذ من الْحَطب مَا يتحمله وَجَاء الى الْمجْلس وَفِي وَجهه جراحات تدمي من شدَّة مسح وَجهه بِالتُّرَابِ فتضاحك الْقَوْم مِنْهُ وظنوا ان ذَلِك من مصادمة الاشجار عندالاحتطاب فَلَمَّا تمّ الْمجْلس قَامَ المرحوم وَقبل يَد المتفي وَقَالَ اريد ترك الصِّنَاعَة وَالدُّخُول فِي طلب الْعلم فَقَالَ الْمُفْتِي ابعد هَذَا تطلب الْعلم وَهُوَ لَا يحصل الا بِجهْد جهيد وعهد مديد وعزم صَادِق وحزم فائق وَلَا بُد من خدمَة الاستاذ اكثر من الْمُعْتَاد وَأَنت لَا تتحمل بِهَذِهِ المشاق وَلَا تحْتَمل ذَلِك الوثاق فتضرع المرحوم وأبرم عَلَيْهِ فِي الْقبُول الى ان قبله الْمُفْتِي لخدمته وَرَضي بتعليمه فَلَمَّا اصبح بَاعَ مَا فِي حانوته وَاشْترى مُصحفا وَذهب الى بَاب الْمُفْتِي وَبَدَأَ فِي الْقِرَاءَة وَقَامَ فِي الْخدمَة الى ان حصل مباني الْعُلُوم وَدخل فِي سلك ارباب الاستعداد وتحرك على الْوَجْه الْمُعْتَاد حَتَّى صَار معيدا لدرس الْمولى سِنَان الدّين المشتهر بالق فِي مدرسة السُّلْطَان مُرَاد بِمَدِينَة بروسه

<<  <   >  >>