للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الأخذ بأقوال العلماء في تصحيح الحديث وتضعيفه]

السؤال

هل يجوز لطالب العلم أن يكتفي بتصحيح أو تضعيف الحفاظ السابقين، مثلاً يقرأ للعراقي في تخريجه، فيقرأ أن العراقي قال في حديث ما: هذا الحديث صحيح، فهل يجوز له أن يكتفي بذلك، وهكذا الإمام أحمد وغيره؟

الجواب

هذه المسألة تشبه التقليد في الفقه، فيكفي طالب العلم أن يسمع رأياً لإمام من الأئمة المتبوعين -ولا أعني الأربعة فقط، فهم أكثر بفضل الله عز وجل- ويعمل به، نقول: لا يمكن لكل طلاب العلم أن يكونوا في نسبة واحدة من التمكن في معرفة الحق مما اختلف فيه الناس، فحسب طالب العلم أن يحقق الآية الكريمة: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣] ، فإذا كان هناك من أهل الذكر من الأحياء يسألهم ويتبنى جوابهم، أو ليس هناك عالم حي يسأله، فيعلم بأن أحد العلماء المُتَّبَعِيْنَ له رأي كذا فيتبعه، فهو سالم من المؤاخذة، ولو كان الرأي الذي تبناه من ذاك العالم خطأً في واقع الأمر؛ لأنه قام بما يجب عليه في الآية السابقة: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣] .

لكن هذا مشروط فيه شرط واحد، وهو: ألا يتبين له أن هذا الرأي خطأ.

وهذا البيان قد يكون ببحث شخصي منه إذا كان عنده استعداد، أو بدلالة عالم آخر يثق به وبعلمه، المهم يجوز لطالب العلم أن يقلد العالم إذا لم يتبين له خطؤه، ولم يستطع هو أن يتبين أصواب كان أم خطأ.

كذلك -تماماً- الجواب عن السؤال بالنسبة لطالب العلم، يجد إماماً من أئمة المسلمين وحافظاً من حفاظهم يصحح حديثاً أو يضعف آخر، فهذا يكفيه أن يتبع هذا المصحح أو المضعف بشرطين كما ذكرنا في المسألة الفقهية، والشرطان هما: الشرط الأول: ألا يعلم خطأه؛ لأن المقصود بهذا الشرط -سواءً في الحديث أو في الفقه- ألا يتبع هواه، فيقول: فلان أفتاني.

وانتهى الأمر، وفي نفسه شيء، والرسول يقول: (استفت قلبك وإن أفتاك المفتون) هذا هو الشرط الأول، ألا يكون عالماً بأن هذا الرأي -سواءً في تصحيح حديث أو تضعيفه، أو في إباحة شيء أو تحريمه- خطأ.

الشرط الثاني: ألا يستطيع هو التحقيق في صحة هذا الحديث أو ضعفه، فهذا أمر جائز؛ لأننا لا نستطيع أن نكلف الناس كلهم أن يصيروا مجتهدين وعلماء.

السائل: متى يعلم المرء من نفسه أنه يستطيع أن يصل إلى القدرة على الحكم على الحديث؟ الشيخ: هذا سؤال مهم؛ يعلم ذلك حينما يعرض بحوثه وأقواله الشخصية على أهل العلم القدامى المسطرة أقوالهم في كتبهم، فيجد أن الغالب عليه أنه يوافقهم، هذا من جهة.

من جهة أخرى: يجد أهل العلم يقدرون علمه واجتهاده، ولا يعتبرونه -كما قلنا آنفاً- غير مؤهل بَعْدُ لأن ينصب نفسه منصب المصحح والمضعف، بمعنى آخر: ينبغي أن يكون الإنسان بعيداً عن أن يغتر بعلمه، ومن طبيعة كثير من الناس ألا يروا عيبوهم ويرون عيوب الناس، ولذلك فيجب أن يستعين بغيره ممن هم عنده من أهل العلم، فيرى عيبه بواسطتهم، كما أشار إلى ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله في الحديث المعروف: (المؤمن مرآة أخيه) المؤمن حقاً هو يرى أخطاءه وعيوبه بواسطة غيره، وينبغي أن يستعين بأهل العلم؛ ليعرف هل صار أهلاً للبحث والاجتهاد أم لا؟! سواءً في التصحيح والتضعيف في العلم، أو في الإفتاء في المسائل الفقهية.