ما هي الضرورة التي اضطرت هؤلاء إلى تأويل هذا النص تأويلاً يؤدي إلى إنكار هاتين الصفتين؟ قالوا: لأنه إذا قلنا: إن الله سميع حقيقة، معناه: شبهناه بالبشر الذي يوصف بأنه سميع وبصير، فالله وصف آدم فقال:{فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}[الإنسان:٢] هذه هي الشبهة التي إليها استند المؤولة الذين يؤولون الآيات ويخرجونها عن دلالتها الظاهرة، وهذه الشبهة تتلخص بأنهم ينظرون إلى أن الله عز وجل إذا وصفناه بما وصف به نفسه فقد شبهناه بخلقه، ونحن لا يجوز لنا أن نشبهه بخلقه.
والرد عليها باختصار وبسهولة بالغة أن يقال: إن الله عز وجل لما أثبت لنفسه السمع والبصر قدم بين يدي ذلك قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] فالله عز وجل في مطلع هذه الآية نزه نفسه أن يشابه أحداً من خلقه في شيءٍ من صفاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] فبعد أن نزه ونفى أن أحداً من خلقه يشبهه تبارك وتعالى في شيء من صفاته؛ أثبت لنفسه تبارك وتعالى صفة السمع والبصر فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:١١] ، فطريقة الرد على هؤلاء المؤولة أن يقال لهم: إذا قلنا: إن الله سميع، نقول: ليس كمثل سمعه شيء، وإذا قلنا: بصير؛ ليس كمثل بصره شيء، كذلك حينما نقرأ:{وَجَاءَ رَبُّكَ}[الفجر:٢٢] نقول: مجيئه لا يشبه مجيء البشر؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] .