حينما أنكر المعتزلة أن الله استوى على العرش -وهذا مثال آخر وله علاقة بحياتنا الفكرية والعقائدية القائمة اليوم- حينما أنكروا أن الله على العرش، كما قال تعالى صراحة:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] لماذا أنكروا؟ قالوا: لأننا إذا قلنا: استوى بمعنى استعلى، معناه: وضعناه في مكان، والله منزه عن المكان.
وهذا أيضاً جاء من ضيق عقلهم وتفكيرهم، والحقيقة كما يقول -أيضاً- ابن القيم تبعاً لـ ابن تيمية: إن المعتزلة وأمثالهم حينما يتأولون النصوص يتقدم تأويلهم أنهم فهموا من النصوص التشبيه، فهموا أن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] مثلما يستوي الشيخ على كرسيه، أو السلطان على عرشه، وهو عز وجل لا ينبغي أن يكون كذلك، إذاً:(استوى) ليس معناه (استعلى) .
فمعنى التأويل أنه سبق إلى ذهنهم التشبيه، وإلا لو لم يفهموا التشبيه لما كان بهم من حاجة إلى تأويل، وأنا أُفصِّل لكم هذا لضرورة المسألة: هم فهموا أن الخالق كالمخلوق من جملة أن المخلوق لو أزيل عنه الكرسي لوقع على أم رأسه، الله عز وجل قال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] ، فإذاً: الله حينما استوى -أي: استعلى على العرش- ليس كالإنسان، فلذلك جاء في كلام بعض العلماء في هذه النقطة بالذات شعر فقهاء فيه علم، قال:
ورب العرش فوق العرش لكن بلا وصف التمكن واتصال
يعني: قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:٦] فهو غني عن العرش أن يجلس عليه، وإنما له تبارك وتعالى صفة العلو.