للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم المصلي إذا وقع له ما يبطل صلاته]

السؤال

تكملات في الصلاة سمعنا لك أحد الأشرطة ذكرت فيها: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام ليؤم أصحابه فتذكر أنه ليس على طهارة، فقال: الزموا أماكنكم، فذهب فرجع وهو يقطر ماءً، فكبر وصلى) .

فذكرت أنت هناك كلمة البناء أنه بنى، فكيف تتم عملية البناء أولاً؟ ثم هل في هذه الصلاة -في هذا الحديث الذي ذكر- هل كان صلى الله عليه وسلم قد صلى بهم ثم ذهب ليغتسل، أم قبل التكبير؟

الجواب

هناك حديثان اثنان: أحدهما من حديث أبي هريرة، والآخر من حديث أبي بكرة الثقفي، الحديث الأول يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليصلي صلاة الفجر فتذكر قبل أن يكبر أنه على جنابة، فذهب واغتسل وجاء وصلى بهم) هذا الحديث ليس موضوعنا.

الحديث الثاني وهو بحثنا: حديث أبي بكرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر ذات يوم لصلاة الفجر، ثم تذكر، فأشار إليهم أن مكانكم، فذهب وجاء ورأسه يقطر ماءً، فصلى بهم) هذا الحديث الثاني، ونحن نقول: إن هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما صلى من قبل.

وهنا مسألة خلافية بين العلماء: إذا وقع للمصلي ما يبطل صلاته، كأن يكون -مثلاً- وهو يصلي خرج منه ناقض للوضوء على خلاف النواقض المعروفة عند العلماء، مثلاً: رعف، فمن يقول: إن الرعاف ينقض الوضوء، فهذا قد بطل وضوءه، خرج الدم فبطل وضوءه عند من يقول به، أما النواقض كما قال عليه الصلاة والسلام: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فهذه نواقض متفق عليها، فأي ناقض خرج من المصلي ثم ذهب وتوضأ، فهل يبني على صلاته، أي: يعتبر الصلاة الماضية التي صلاها على طهارة ثم انتقضت هذه الطهارة، هذه الطهارة المنتقضة هل نقضت الصلاة السابقة، أم تبقى هذه الصلاة صحيحة؟ فهنا قولان للعلماء: منهم من يقول: يبني على ما مضى، كأن يكون صلى ركعة -مثلاً- فانتقض وضوءه بناقض من النواقض، فمعنى يبني أي: أن الركعة التي صلاها ما دام صلاها على طهارة فهي ركعة صحيحة، فإذا جدد وضوءه يبني، أي: لو كان يصلي الصبح فلا يأتي بركعتين وإنما يأتي بركعة واحدة.

أما من يقول: إنه يستأنف الصلاة، فمعنى ذلك: أن هذه الركعة لا قيمة لها، فهو يبتدئ الصلاة من جديد.

حديث أبي بكرة من الأحاديث الصحيحة التي ترجح أن من عرض له ما يبطل صلاته فيبني على ما صلى ما دام أنه كان معذوراً، ومن الأعذار النسيان، وهذا ما وقع للرسول عليه السلام في قصة أبي بكرة، حيث دخل في الصلاة وهو جنب، فذهب واغتسل وجاء ورأسه يقطر ماء فصلى، وما قال: ابتدأ الصلاة.

هذه ناحية.

والناحية الأخرى: أنه عليه السلام لو كان يريد أن يبين لأمته مثل هذه الحادثة التي وقعت له، لم يكن به من حاجة بأن يشير إليهم، وأن يقول لهم إشارة بيده أن مكانكم، وإنما يقول لهم بلسانه: أنا بطلت صلاتي؛ لأني تذكرت أنني على غير طهارة فاجلسوا استريحوا حتى آتيكم.

وثانياً: أن يوقفهم كأنهم في الصلاة، وهم حقيقة في الصلاة.

فهذه علامات تؤكد أن قوله: فصلى.

أي: أتم الصلاة، فإذاًَ وضح لك ما هو المقصود بكلمة البناء هنا.

السائل: أريد إيضاحاً آخر بارك الله فيك: أنه كان على جنابة، فإذا صلى بهم ركعة -على سبيل المثال- أي: أن الإمام صلى بهم ركعة، فكما قلت أنه يبني بهم على الركعة الأولى، ألا نقول: إن هناك القاعدة التي تقول: ما بني على فاسد فهو فاسد.

فصلاته أصلاً كانت فاسدة؛ لأنه أصلاً كان على جنابة! الجواب: ما هو الدليل على أنها فاسدة؟ السائل: لأنه كان جنباً عندما دخل في الصلاة.

الشيخ: ما عليك يا أخي، لكن نحن نقول: هذا غير متعمد {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] هذا السؤال يشبه تماماً: ما حكم من يأكل في رمضان ناسياً هل يبطل صيامه؟ الجواب: لا.

لأنه كان ناسياً، فهل يصح أن نقيس الناسي على العامد؟ فنقول: الذي يأكل ناسياً في رمضان كالذي يأكل عامداً في رمضان؟ لا يستويان مثلاً.

فحينما نريد أن نقول: ما بني على فاسد فهو فاسد.

القاعدة صحيحة، لكن سنطبق القاعدة نفسها: ما بني على فاسد فهو فاسد.

نحن نقول: أنت تبني على فاسد، لماذا؟ لأنه لا دليل على أن الذي يصلي وهو ناسٍ لوضوئه وتذكر هذا الوضوء، أو ناسي لجنابته فتذكرها وهو في الصلاة فبنى عليها، أنه بنى على فاسد، لا.

نحن بحاجة إلى دليل، والدليل الآن على خلاف المدعى.

السائل: لماذا نقول: إن الذي يصلي الصلاة تامة على غير طهارة وهو ناسٍ نقول مثلاً: إنه يتبع الحديث، بمعنى: أن النبي عليه الصلاة والسلام اعتد بركعة؟ الشيخ: لو كان الحديث بعد الصلاة، ولو كانت القصة كما وقع لـ عمر لقلنا بالحديث، لكن الحديث خاص في جزئية طبقناها، فأثر عمر كان في جزئية أعم من ذلك، فطبقناه ووضعنا كل شيء في مكانه.

السائل: شيخنا! هذه المسألة بالذات، بعض المذاهب يشيرون إلى استدبار القبلة، إذاً كيف العمل هنا بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه استدبر القبلة؟ الجواب: لا نقول نحن: لا شك، يمكن هذا هنا، يمكن أن إنساناً إذا تذكر ألا ينحرف عن القبلة، يأتي ويقف هنا ويتوضأ، يمكن هذا، فإذا أمكن فعليه أن يحرص ألا ينحرف عن القبلة، أما إذا كان ولا بد لأن المكان في وضع -مثلاً- دبر القبلة، فلا بد له أن يذهب إليها منحرفاً عن القبلة، فالانحراف عن القبلة كالحدث تماماً، أي: استقبال القبلة شرط، والطهارة شرط، لكن هذه الطهارة إذا اغتفرت بسبب عذر شرعي، فكذلك استدبار القبلة يلحق بنفس الحكم هذا عندما لا يمكن إلا كذلك.