نقول: لا يشترط لصحة الصلاة أن يكون ملتحياً، لكني كنت أتمنى أن يكون السؤال كالآتي: هل يشترط في إيمان المسلم أن يكون ملتحياً؟ هكذا ينبغي أن يكون السؤال.
ومن كان منكم لا يزال مبتلىً بهذه المعصية فلا يشكلن عليه تحويل السؤال على النحو السابق، إلا من كان يرى أن الإيمان لا يقبل الزيادة، فحينئذٍ سيفهم أن هذا السؤال معناه: أن حليق اللحية خارج من الإيمان فليس بمسلم، لكن إذا علمتم أن الإيمان يقبل الزيادة، وأنه مراتب لا يعلمها إلا الله عز وجل؛ فحينئذٍ تفهمون الفهم الصحيح: وهو أن من كان حليقاً فإيمانه ناقص، بحيث يمكن إذا كان لنا أن نقيس على بعض تعابير الرسول عليه الصلاة والسلام، يمكننا أن نقول: لا إيمان له، لكن ليس لنا مثل هذا القياس، ولنقس عليه قول الرسول عليه الصلاة والسلام:(لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) ، وفي هذا الحديث نفى الرسول عليه الصلاة والسلام الإيمان عمن لا أمانة له، الذي لا يؤدي الأمانات إلى أهلها، وهو يعني: الإيمان الكامل الذي إذا تحقق به صاحبه كان ذلك بشيراً له أنه من أهل الجنة، أما إن نقص عن ذلك فهو يستحق دخول النار، أما هل يدخلها أو لا؟ فهذا أمره إلى الله وحسابه عند الله.
لذلك نقول: حلق اللحية معصية كبيرة، فهي وإن لم تكن شرطاً من شروط صحة الصلاة؛ لأن كون الشيء شرطاً من شروط صحة الصلاة قد يتوهم بعض الناس أنه أمر كبير، مع أن العكس هو الصواب؛ فإن كون الشيء شرطاً من شروط الإيمان الكامل أخطر من أن يكون شرطاً من شروط صحة الصلاة، مثلاً: يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء) ، لو صلى الإنسان ونصف بدنه الأعلى عارٍ، هذا معروف عند جميع الناس إلا أهل العلم بالحديث أنه لا شيء عليه؛ لأنه صلى ساتر العورة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يلفت النظر إلى أن في الصلاة شيئاً آخر يليق بالصلاة، وهو أن يستر القسم الأعلى من بدنه أيضاً، كما قال:(من وجد إزاراً ورداءً فليتزرْ وليرتدِ، فإن الله أحق أن يتزين له) لكن هذا الرجل لو خرج يمشي في الطريق كاشفاً القسم الأعلى، فليس عليه بأس إطلاقاً من الناحية الإسلامية، أما أهل الأرض فإذا خرجت وأنت مكشوف القسم الأعلى وهو ليس بعورة عيرك الناس حتى النساء، مع أنك رجل أما إذا خرجن وهن مكشوفات القسم الأدنى فلا بأس، وهو من الموضة.
المهم أن الكشف خارج الصلاة لا بأس فيه، فإذا كان الحكم حكماً عاماً يتعلق بالمسلم خارج الصلاة فلا يجوز أن يكون حليقاً، فحينئذٍ هذا الحكم أخطر من أن يكون شرطاً من شروط الصلاة، يمعنى: لو كان لا يجوز للمسلم أن يمشي مكشوف القسم الأعلى، هذا أخطر وأشد في الحكم مما هو عليه الآن، لا يجوز هكذا أن يصلي، لكن يجوز أن يمشي هكذا، ولذلك يجب أن نتنبه للأمور ونضعها في مواضعها.
فحلق اللحية ليس خاصاً بالصلاة؛ بل هي معصية خارج الصلاة وداخل الصلاة، لكن الإنسان لو صلى وهو حليق فصلاته صحيحة، كما أن إيمانه صحيح، لكن إيمانه ناقص، وصلاته ناقصة بطبيعة الحال.
ولذلك فنحن نغتنمها فرصة ونذكر المبتلين بأن يحاولوا الخلاص من هذه المصيبة؛ لأنها مصيبة الدهر، والواقع لا يشعر بقباحتها إلا الذين عافاهم الله عز وجل مما ابتلى به غيرهم.
إن أخطر ما يخشى على جماهير المبتلين بهذه المعصية أنه لن يبقى عندهم حتى المرتبة الأخيرة من مراتب إنكار المنكر؛ لأنه مات حسهم بأن هذه معصية، قال عليه الصلاة والسلام كما تعلمون جميعاً:(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) فإذا مات القلب ولم يعد يحس بأن هذه معصية فليس وراء ذلك ذرة من إيمان، كما جاء في حديثٍ آخر.
لذلك أرجو أن يبادر المبتلون إلى طاعة الله والرسول، والخلاص من هذه الموبقة والمعصية.