للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث الأعرابي في إثبات رؤية الهلال]

ساق بعده المصنف حديثاً آخر قد يكون بمعنى الحديث الأول، ولكننا إذا أمعنا النظر فيه وجدنا فيه تبايناً بينه وبين الأول من حيث الدلالة، ألا وهو قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني رأيت الهلال) هذا أول تباين واختلاف بين الرواية السابقة وبين هذه الرواية، هناك كان الذي شهد ابن عمر صحابي ابن صحابي، والشاهد هنا أعرابي جاء من البادية لا يعرفه الرسول عليه السلام، ولذلك قال في الحديث -أي: الرسول- للأعرابي: (أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم.

قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم.

قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً) ، رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، ورجح النسائي إرساله.

هذا الحديث بعد أن عرفتم أن بينه وبين الحديث السابق تباين في الدلالة، بمعنى: أن في هذا توسيع قبول شهادة الشاهد أكثر من الحديث الأول؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام -إن صح الحديث، وسأتكلم عن صحته قريباً إن شاء الله- قنع من هذا الأعرابي الذي لم يعرفه سابقاً، قال له: أنت مسلم؟ قال: نعم.

ما دليل إسلامك؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وتشهد أيضاً أني رسول الله؟ قال: أشهد أنك رسول الله.

إذاً: أمر بلالاً بأن يؤذن، أي: يعلن في الناس أن يصوموا غداً، فقنع الرسول عليه السلام من هذا الرجل الذي لا يعرفه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بمعنى: أنه عرف أنه مسلم، لكنه ما جربه ولا عرف ذكاءه وفطنته وكياسته، كما كان الأمر بالنسبة للحديث الأول الذي فيه أن الشاهد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومع ذلك قبِل شهادته، فهذا فيه تيسير واسع، ومعنى هذا أن القاضي يقنع بظاهر الشاهد دون أن يأتي بمزكين يعرفونه كما جرى على ذلك عرف القضاة قديماً، يكتفي منه بأن يعرف إسلامه، هذا أعرابي ما يعرفه سابقاً عليه الصلاة والسلام فاكتفى أن يشهد أمامه بالشهادتين، فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا، وبناءً على شهادته وإسلامه قال: يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غداً.