للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جمع أبي بكر للقرآن الكريم]

نقول: جمع القرآن واجب وليس بدعة، وإن قالوا: إنها بدعة، فيجب أن يستعملوا هذا اللفظ بالمعنى اللغوي، ولا يقولون: البدعة في الشرع تنقسم إلى أقسام خمسة: منها البدعة الواجبة الفريضة.

فجمع القرآن كان من الصحابة لأسباب: منها ظاهر لكثير من الناس، ومنها ما يظهر لبعض المتدبرين للقرآن الأمر الأول الظاهر هو القاعدة المتفق عليها بين العلماء: (ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب) .

وأنتم تعرفون السبب الذي حمل الصحابة يومئذٍ على جمع القرآن؛ وهو مجيء من يخبرهم بأنه قد قتل في يوم واحد سبعون قارئاً من قراء الصحابة، فخشوا من أن يستحر القتل ويشتد في القرَّاء؛ فيذهب القرآن الذي كان محفوظاً في صدورهم بذهابهم وموتهم.

لذلك بادر أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر إلى جمع القرآن، وهذا يؤكد هذه القاعدة المعروفة عند علماء الأصول: (ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب) .

فالمحافظة على القرآن أمر واجب، فإذا لم يبادروا إلى جمعه -كما فعلوا- يكونون عندها قد ساعدوا على إضاعة الواجب؛ فيكونون مسئولين، وهذا هو الأمر الظاهر، ولكن هناك أمر يظهر لبعض المتأملين في بعض نصوص القرآن الكريم، من ذلك قول رب العالمين في أول سورة البقرة: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:١-٢] (ذلك الكتاب) فالله عز وجل أشار في هذه الآية إلى أن هذا القرآن كتاب، وهو حينما كان مبعثراً في الصحف، والرقاع، والعظام، ونحو ذلك؛ لا يطلق عليه حين ذاك أنه كتاب، فهو أشار إلى أنه ينبغي أن يكون هذا القرآن محفوظاً ومسجلاً في كتاب، وهذا ما فعله الصحابة الكرام، فلا يصح أن يطلق على جمع القرآن أنه بدعة، وأنه أول بدعة ظهرت في الإسلام، فهذا خطأ فاحش وكبير جداً، وأنا أقرب لكم هذا بمثال لعله أوضح من هذا، أي: إنه أمر حدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن لا يصح أن نسميه بدعة إطلاقاً؛ لأن حدوثه كان بإذن من الشارع الحكيم.