ما حكم زواج المحصن الذي يدرس في بلاد الغرب من الكتابيات؟
الجواب
لاشك أن الحكم في هذا معروف بنص القرآن:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة:٥] يحل ذلك، وهذا رأي أكثر علماء المسلمين قديماً، وأجمعوا أخيراً على ذلك، إلا أن الحكم المباح شرعاً قد يعترضه ويحيط به ما يجعله ممنوعاً في بعض الأحيان، وأرى أن هذا النوع من الزواج هو من هذا القبيل، والسبب في ذلك يعود إلى جنس المسلمين الذي يتزاوجون بالكتابيات من جهة، ويعود أيضاً إلى جنس الكتابيات من جهة أخرى، أعني: أن هؤلاء المسلمين الذين يذهبون إلى تلك الديار ديار الكفر والضلال، هم في الغالب -ونحن لا نخص شخصاً أو أشخاصاً- هم في الغالب غير محصنين بالأخلاق الإسلامية، بل ولا بالعقيدة الإسلامية، التي إذا تجرد الإنسان عن أي شيء فممكن -بغض النظر- إلا عن العقيدة؛ لأن العقيدة فيها النجاة من الخلود في النار، أما ما دون ذلك فهو كمال الإنسان.
فكثير من هؤلاء الشباب الذين يذهبون إلى تلك البلاد لم يتثقفوا الثقافة الإسلامية الصحيحة، بل حتى ربما يجوز لي أن أقول: الثقافة الإسلامية حتى غير الصحيحة؛ لأنهم لا يدرسون الإسلام مطلقاً، سواء ما نسميه بالإسلام التقليدي أو بالإسلام القائم على الكتاب والسنة، فهم يدرسون نوعاً من الدراسات العلمية العلمانية اليوم، ثم ينطلقون إلى تلك البلاد لإكمال دراستهم، فهم غالباً غير مسلحين بهذا السلاح من الثقافة الإسلامية الصحيحة، والنادر منهم من يكون متخلقاً بالأخلاق الإسلامية الصحيحة، أي: يعيش في جو عائلي لا يزال يحتفظ بالعادات الإسلامية كلها، هذا نادر جداً في بلادنا، ولذلك فهؤلاء الشباب حينما يذهبون لتلك البلاد، ويريدون أن يضموا إلى أنفسهم زوجة من تلك البلاد النصرانية مثلاً.
أما اليهودية -الآن- فاضرب عليها صفحاً؛ لأن الناس يتأثرون بالواقع كثيراً جداً، مع أنه في الواقع -من الناحية الإسلامية- لا فرق بين النصرانية وبين اليهودية، وإذا كان اليوم الذهن المسلم العام قد نبا وانصرف ونأى عن التفكير في أن يتزوج يهودية؛ لأن اليهود احتلوا قسماً عزيزاً من بلادنا الإسلامية، فهذا تفريط لا يراعى فيه العلم، وإنما الواقع الطاري، ما الفرق بين اليهودية والنصرانية من الناحية الإسلامية؟ لا فرق أبداً، ما الفرق بين اليهود والنصارى من حيث أنهم كلهم أعداء للمسلمين، كما قال رب العالمين:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:١٢٠] وعرف الخراب من ثغرة اليهود من إثم قتل وصلب عيسى عليه السلام كما زعموا؟ فكل هؤلاء هم أعداء الإسلام، لا فرق بين يهودية ونصرانية إطلاقاً، لكن مع الأسف لا يزال الناس ينظرون إلى النصارى نظرة دون نظرتهم إلى اليهود.
فهؤلاء الذين يذهبون إلى تلك البلاد يريدون أن يتزوجوا بنصرانية، أولاً: هذه النصرانية ليست بالوصف التي وصفها الله حين قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة:٥] أين المحصنات اليوم في بلاد الكفر؟ فقد انتشر فيها الفساد والفحش والزنا وإلخ، ولا أنسى وأنا أعرف شاباً منذ أربعين سنة كان يتردد على دكاني، وهو ضابط تركي ممن حاربوا في رومانيا في زمن الأتراك في قتال قام بين المسلمين والرومان، قال لي: دخلنا بعض البلاد وأقمنا فيها شهورا، ً فعلمت من بعض النصارى أن من عادة الداعيات في تلك البلاد، أن الجنين أول ما يسقط من بطن الأم فإذا رأتها الداعية بنتاً فضت بكارتها في تلك اللحظة، لماذا؟ لأن المجتمع كله قائم على الفحش، فإذا بلغت البنت سن الزواج وتزوجها الشاب كان قد لقن سلفاً أن هذه البنت قد فضت بكارتها من ساعة ما وقعت من بطن أمها، فيستسلمون لذلك، ولا شيء في ذلك إطلاقاً، فأمة بلغ بها الأمر إلى الحضيض من أين يجد هذا المسلم هذه الفتاة النصرانية المحصنة؟ لا يجدها، ثم إن وجدت، وهذا نادر جداً والنادر لا حكم له، هل عنده هذه الشخصية المسلمة القوية التي تساعده على أن يجذبها إليه وأن تربي أولاده حسب دينه وحسب أصول التربية الإسلامية، أم سيكل الأمر إليها وتربي أطفالها وأولادها على التربية الأوروبية؟ نحن المسلمون في البلاد الإسلامية نربي أطفالنا في بلاد الإسلام تربية غير إسلامية، فكيف إذا قام على هذه التربية امرأة غير مسلمة؟! فلهذه الأسباب وأسباب أخرى لا نرى أن يتمتع المسلم بهذا الحكم الذي أباحه الله عز وجل في نص كتابه؛ لأنه أقل ما يقال: إنه اشترط أن تكون محصنة، أي عفيفة محفوظة، وهذا نادر والنادر لا حكم له.