معنى الخلافة والاستخلاف لغة وشرعاً
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠-٧١] .
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
السؤال
ما معنى الخلافة والاستخلاف لغة وشرعاً؟
الجواب
السائل يسأل: ما معنى الخلافة والاستخلاف لغةً وشرعاً؟ ليس هناك فرق بين اللغة والشرع في هذه المسألة فكلاهما متحد فيها، لكن الشرع يؤكد التزام اللغة في ذلك.
الخلافة هي مصدر، كما جاء في القاموس يقال: خلفه خلافةً، أي: كان خليفته -ولاحظوا تمام التعبير- وبقي بعده.
ومما جاء في القاموس: الخليفة السلطان الأعظم كالخليف، أي: يقال بالتذكير والتأنيث، الخليف والخليفة، والجمع خلائف وخلفاء.
هذا ما في القاموس، لكن الشيء البديع ما في النهاية في غريب الحديث والأثر لـ ابن الأثير، فقد ذكر أثراً فانتبهوا له! يقول: [جاء أعرابيٌ فقال لـ أبي بكر: أنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا.
قال: فما أنت إذا كنت تقول لست خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا الخالفة بعده] أي: الذي يأتي بعده، أما أن يكون خليفة فلا، لماذا؟ لأن معنى الخليفة فيه معنى دقيق على ما كنا نعبر عنه إجمالاً ونستنكر في التعبير، بأن الإنسان خليفة الله في الأرض، من أجل ذلك المعنى الذي يوضحه لنا الآن الإمام ابن الأثير، يقول: فقال: [أنا الخالفة بعده] أبو بكر لم يرض لنفسه أن يقول: إنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال: [أنا الخالفة بعده] أي: جاء من بعده فقط، يفسر ابن الأثير فيقول: الخليفة من يقوم مقام الذاهب ويسدُّ مسدَّه، والهاء فيه للمبالغة، وجمعه الخلفاء إلى آخره.
فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو بشر لم يرض أبو بكر الصديق أن يقول: إنه خليفته؛ لأن معنى الخلافة بهذه اللفظة: أنه ينوب مناب الذي خلف ومضى وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن لـ أبي بكر مهما سما وعلا أن يداني كماله عليه الصلاة والسلام.
ومن هنا نعرف بأنه لا ينبغي من باب أولى أن يقال: الإنسان هو خليفة الله في الأرض؛ لأن البون أكبر من أن يذكر بين الخالق والمخلوق، فإذا كان أبو بكر لم يرض أن يقول عن نفسه إنه خليفة الرسول، فنحن لا نرضى أن نقول: إن الإنسان خليفة الله في الأرض.
السائل: إذاً: فما معنى قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة:٣٦] ؟ الشيخ: أنا كنت في صدد الإجابة عن مثل هذا السؤال؛ لأن الواقع أن هذا السؤال يكثر إيراده، والجواب عنه باختصار: جاء أنه في الأرض خليفة للعلماء، وهناك أكثر من قول في تفسير هذه الآية أو هذه اللفظة بخصوص هذه الآية، والقول الذي يجنح إليه ابن كثير وهو في ذلك تابع لـ ابن جرير، يقول ابن كثير في تفسير الآية نفسها: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:٣٠] : ليس المراد هنا الخليفة آدم عليه السلام فقط، كما يقول طائفة من المفسرين، وعزاه القرطبي إلى فلان وفلان، وفي ذلك نظر، بل الخلاف في ذلك كثير حكاه الرازي في تفسيره وغيره، والظاهر أنه لم يرد آدم عيناً، إذ لو كان ذلك لما حسن قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:٣٠] فإنهم أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك إلخ.
ثم قال ابن كثير: قال ابن جرير: وإنما معنى الخلافة التي ذكرها الله إنما هي خلافة قرنٍ بعد قرن، قال: والخليفة الفعيلة من قولك: خلف فلانٌ فلاناً في هذا الأثر، إذا قام مقامه فيه بعده، كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس:١٤] ومن ذلك قيل للسلطان الأعظم خليفة؛ لأنه خلف الذي كان قبله فقام بالأمر، فكان منه خلفاً.
هذا هو معنى الخلافة، فنحن يجب أن نستحضر هذا المعنى العربي حتى نستعظم التعبير بأن الإنسان لا سيما إذا أطلقنا فنقول: إنه خليفة الله عز وجل؛ لأن الذي يريد أن يخلف غيره يجب أن يكون أقلَّ ما يكون قريباً منه، وكما أقول دائماً وأبداً: لا يحسن مطلقاً أن يقول القائل: فلان الجاهل، فلان الزبال، هو خليفة العالم الفلاني؛ هذا مستهزئ كل الاستهزاء؛ لأنه لا يصلح أن يكون خليفةً لذلك العالم؛ لبعد الشقة بينهما في صفة الخلافة، فماذا يقال عن إنسان بالنسبة لخالق الأكوان سبحانه وتعالى؟! ولذلك نجد التعابير في السنة الصحيحة تأتي لتضع الخليفة الحق، كما جاء في حديث في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر سفراً دعا قائلاً: (اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل) وفي رواية: (في الحضر) ، فإذا غاب الزوج عن بيته فمن الخليفة من بعده؟ هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه هو الذي يحسن الخلافة، أما أن يكون العبد العاجز الجاهل، مهما كان قوياً وعالماً، أن يكون خليفة عن الله عز وجل في الأرض، فهذا تعبير مستهجن لغةً وشرعاً!! هذا ما عندنا بالنسبة لهذا السؤال.