[الحكمة في الدعوة بين اللين والشدة]
السؤال
كثير من السلفيين يستخدمون الشدة ولا يستخدمون اللين، فيستخدمون الشدة في غير موضعها، ولا يستخدمون الرفق في موضعه، وليسوا قليلاً، أنا أقول: كل الطوائف تفعل هذا، وأنا لا أقيس السلفيين على غيرهم من الطوائف الأخرى، فأنا لا يهمني أمر الطوائف الأخرى، بل يهمني أمر السلفيين، فكثير من السلفيين يصدون عن المنهج السلفي بأسلوب دعوتهم للناس، فأنا قصدت من السؤال أن توجه نصيحة لمن ابتلوا بالشدة وبضيق الصدر.
الجواب
بارك الله فيك، ويحتاج إلى واحد مثلي لكي يوجه النصيحة، والسلفيون وغير السلفيين يعلمون الآية التي ذكرناها آنفاً: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥] ، ويقرأ السلفيون أكثر من غيرهم حديث السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: (حينما جاء ذلك اليهودي مسلِّماً على النبي صلى الله عليه وسلم لاوياً لسانه قائلاً: السام عليكم، فسمعت السيدة عائشة هذا السلام الملوي فانتفضت وراء الحجاب حتى تكاد تنفلق فلقتين -كما جاء في الحديث غضباً- فكان جوابها: وعليك السام واللعنة والغضب, يا إخوة القردة والخنازير! أما الرسول فما زاد على قوله له: وعليك، ولما خرج اليهودي من عند الرسول عليه الصلاة والسلام أنكر صلى الله عليه وسلم عليها وقال لها: يا عائشة! ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه، قالت: يا رسول الله ألم تسمع ما قال؟ قال لها: ألم تسمعي ما قلته) .
فإذاً السيدة عائشة التي ربيت منذ نعومة أظفارها في بيت النبوة والرسالة، ما وسعها إلا أن تستعمل الشدة مكان اللين، فماذا نقول في غيرها؟ السلفيون لم يربوا في بيت النبوة والرسالة، بل أنا أقول الآن كلمة ربما طرقت سمعك يوماً ما من بعض الأشرطة المسجلة من لساني: إن آفة العالم الإسلامي اليوم مقابل ما يقال في الصحوة الإسلامية، هو أن هذه الصحوة لم تقترن بالتربية الإسلامية، لا يوجد تربية إسلامية اليوم، ولذلك فأنا أعتقد أن أثر هذه الصحوة العلمية سيمضي زمناً طويلاً حتى تظهر آثارها التربوية في الجيل الناشئ الآن في حدود الصحوة الإسلامية، ففيها تصرفات وعثرات، لكن هؤلاء الأفراد يعيشون تحت رحمة الله عز وجل، ومنهم القريب ومنهم البعيد، ولذلك فمن الناحية الفكرية والعلمية، سوف لا تجد من يخاصمك ويخالفك في أن الأصل في الدعوة أن تكون باللين والموعظة الحسنة، لكن المهم التطبيق، والتطبيق هذا يحتاج إلى مرشد وإلى مربي يربي تحته عشرات من طلاب العلم، وهؤلاء يتخرجون على يد هذا المربي مربين لغيرهم، وهكذا تنتشر التربية الإسلامية رويداً رويداً، بتربية هؤلاء المرشدين لمن حولهم من التلامذة، وبلا شك أن الأمر كما قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥] .
ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الأمة الوسط لا إفراط ولا تفريط.
السائل: جزاك الله خيراً يا شيخ.
السؤال: أحياناً يلاقي السني ممن يقابله من أهل البدع عتواً واستكباراً، والأمر كما أمر الله عز وجل موسى باللين مع فرعون قال له: {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:١٠٢] يوجد دكاترة في الكلية يستهزئون بنا عندما نقول لهم: قال الرسول، ويمثلون صلاة السلفيين وبعض التصرفات، فيخرج الإنسان عن طوره ويستعمل معهم الشدة، وأعجبني المثل الذي سمعته منك يا شيخ الذي يقول: (قال الحائط للوتد: لِمَ تشقني؟ قال: سل من يدقني) .
وكذلك في إحدى المرات كنا نناقش بعض أفراد حزب التحرير -وكما لا يخفى عليكم هدفهم هو مسألة الخلافة، ونحن -بحمد لله- هدفنا أولاً العقيدة والتوحيد- فلما بدأنا معهم في البحث العلمي من الأساس -كما تعلمنا منكم- فجاءت مسألة الأسماء والصفات، فكان أحدهم ومن كبارهم يقول: نحن ننتظر طول الليل بإصبعه ورجله! يستهزئ بصفات الله عز وجل.
فماذا نقول لهذا؟ الشيخ: على كل حال، نسأل الله أن يؤتينا الحكمة وهي أن نضع كل شيء في محله.
السائل: عمر لما قال له رجل: [استغفر لأخيك، قال: لا غفر الله له] .
الشيخ: عندي أمثلة كثيرة جداً، يذكرنا الأخ أبو عبد الله بأثر عن عمر أن رجلاً قال له: [استغفر لأخيك، فقال: لا غفر الله له] ما رأيك في هذا؟ لا شك أنك لو رأيتني أقول هذه الكلمة لقلت: الشيخ متشدد، لكن هنا يكون في نفس المُنكِر الغيرة على الشريعة فتحمله أن يقسو في العبارة، بينما ذلك المتفرج لا توجد لديه هذه الغيرة التي ثارت في نفس هذا الإنسان فيخرج منه هذا الكلام.
وهنا عندنا في سوريا يقولون: (شوها الشدة يا رسول الله؟) هذه لهجة سورية خاطئة، يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأن الشدة صادرة منه صلى الله عليه وسلم، وهم يعنون هذا الإنسان.