[لمحة عن لقاء الشيخ الألباني بعبد الله الحبشي وتقويمه له]
السؤال
الإخوة في أستراليا يسمعون أن عبد الله الحبشي قابلك، وقد تحدثنا سابقاً عن هذا، فالإخوة يريدون لمحة بسيطة للقائك مع عبد الله الحبشي وتقويمك له.
الجواب
أولاً: كان لقاؤه معي وليس لقائي معه.
السائل نفسه: نعتذر عن التعبير.
الجواب: لا داعي لذلك، وإنما هذا تفصيل لبيان الواقعة على حقيقتها، فهذا رجل ما كنت أعرفه حينما فاجأني بزيارته، وكنت ألقي يومئذ درساً أسبوعياً في دار بعض إخواني، ولما جاءني هو ومعه طالبان من طلاب الفقه الحنفي، وليس من الغيبة في شيء أن أسميهما لكم وللتأريخ: أحدهما: شعيب الأرناؤوط والآخر عبد القادر أرناؤوط، وكانا يومئذ من أعداء الدعوة السلفية التي استمررنا في الدعوة إليها في سوريا كلها، وبخاصة في دمشق سنين عديدة طويلة، ففوجئت بمجيء الشيخ عبد الله الحبشي ومعه هذان الطالبان، وجلس يستمع، وبحكمة الله كان بحثي يومئذ فيما يتعلق بالعقيدة والأسماء والصفات، وبخاصة في صفة علو الله عز وجل على خلقه، فجلس هو مستمعاً لا يحرك ساكناً.
وبعد الانتهاء قدَّم إليَّ أحد المذكورين وريقة يقول فيها: إن الشيخ يدعوك للمناظرة، وأنا أشك الآن إما أنه ذكر موضوعين أو أحدهما، فالموضوعان في قولي وفي محاضراتي وفي مجالسي وكتاباتي، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) ، حيث إن الشيخ يقول بأن هناك بدعة حسنة.
والمسألة الثانية: البحث في إنكار التوسل بغير الله عز وجل بالذوات، والأشخاص، والجاهات، ونحو ذلك.
لما قرأت عجبت من هذا الطلب العجيب الغريب، ومن شخص لم يسبق له ولا لي أن التقينا معاً! فبدأت الكلام مع الشيخ، وقلت: يا شيخ! أنت الآن تطلب اللقاء لعله فاتني أن أذكر أن من حماقة السؤال أنه طلب مني أن يكون اللقاء في المسجد الأموي الكبير وبعد صلاة الجمعة على مشهد من الناس.
قلت له: أنت ما سبق أن التقيت معي وبحثت معي وعرفت رأيي في هاتين المسألتين أو في غيرهما، فكيف تريد أن نلتقي مباشرة في المسجد الكبير، وعلى مشهد غفير من الناس، وقد يثير هذا فتنة بين الناس، فقد يتعصب بعضهم لك وبعضهم لي وتقع الفتنة، أليس من المشروع والمعقول أن نلتقي مع بعض ونبحث ما تريد؟ فإن اختلفنا ولم نجد بداً من أن نلتقي في مثل ذلك المشهد يومئذٍ يمكن أن يقدم مثل هذا الاقتراح، لكن هذا الاقتراح في ظني شرعاً وعقلاً أنه سابق لأوانه.
فأجاب بالإيجاب، الأمر الذي أشعرني بأن هذا الاقتراح لم يكن منه فعلاً؛ لأن الرجل غريب عن البلد، كيف يتجرأ هذه الجرأة وأنا ابن البلد أولاً، ولكن هؤلاء الذين كانوا معه هم الذين أوحوا إليه بهذا لإشعال فتيل الفتنة كما يقال.
المهم أن الرجل وافق، وفعلاً بدأنا نضع شروط المناضرة، ونحن نضع هذه الشروط: أولاً: أن تكون كتابياً، ونوقع كل شيء نجيب من السائل والمجيب، وقد وافق.
بعد الانتهاء اقترحت أن يكون البحث في بعض الأصول التي تتعلق بها بعض الفروع، كالمسألتين المشار إليهما آنفاً، أيضاً وافق.
وإذا بأحد الرجلين اللذين كانا معه وظني أنه شعيب قال: هل هناك مانع أن أكون حاضراً؟ قلت: أنا من جهتي ما عندي مانع لكن اسألوا الشيخ، والشيخ ليس عنده مانع.
قام أحد إخواننا المعروفين بذكائهم ورفع إصبعه يقول لي: أيمكن أن أكون حاضراً؟ قلت: أنا ليس عندي مانع إذا الشيخ ليس عنده مانع، فوافق الشيخ.
فقام نفس الطالب وقال: ما رأيك أنا ظروفي لا تساعدني، أفيكون بديلي فلان؟ وأشار إلى أخ لي اسمه منير عبد الله توفي رحمه الله؛ لأنه أقوى منه علماً، فقلت: أنا أيضاً ليس عندي مانع، وعلى ذلك اتفقنا.
وبدأت الجلسات تعقد في داري هناك في دمشق في منطقة اسمها الديوانية، وحضر الشيخ الجلسة والجلستين والثلاث ما عدت أذكر العدد، وفعلاً السؤال يكتب ويوقع والجواب كذلك.
إلى آخره، وإذا به انقطع عن النظام المتبع، كان هو من قبل يتردد على المكتبة الظاهرية التي أنا أعتبر ابنها البار، فبعدما اتفقنا لم أعد أراه، وإذا بي أراه في النهار الذي تلا الليلة التي لم يحضرها، وإذا به في المكتبة، فقلت: خيراً إن شاء الله أنت ما جئتنا أمس، قال: آتيك اليوم في الدرس -هو آخذ مع برنامج الدرس تبعي في كل ليلة معينة- قلت له: لكن ما هكذا اتفقنا، اتفقنا أن نستمر في وضع القواعد ثم التفريع عليها.
لم يأبه لكلامي وفعلاً حضر الدرس، وبعد الدرس بدأ يناقش، ومن القواعد التي أردت أن أؤسسها لدفع باطل من أباطيلهم: هم يحتجون بالإجماع، فأنا بدأت معه البحث في تعريف الإجماع الذي هو فعلاً حجة، فوصلنا إلى أن نقول: الإجماع هو إجماع علماء أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصرٍ من العصور، وليس إجماع الأمة؛ لأنه بهذا ممكن أن يقال لك: يا أخي! لقد أجمع المسلمون مثلاً على الزيادة على الأذان قبل وبعد، فهذا ليس إجماعاً إلخ.
فهو في الجلسة أثار هذا الموضوع وقال: أنت قلت كذا، قلت له: لا.
أنا ما قلت كذا، وبدأ النقاش بطريقة غير مرضية لا عقلاً ولا شرعاً، فقلت له: يا شيخ! نحن اتفقنا على الكتابة لماذا؟ حتى لا يقال: قلت، لا ما قلت، هذا كتابنا ينطق بالحق، أين الكتابة التي أنا كتبتها جواباً عن هذا السؤال؟ قال: ليس معي، قلت: لماذا أتيت بدونه؟ ولماذا التقينا؟ والخلاصة: أن الجلسة هذه لم نحصل منها على نتيجة؛ لأن الرجل أتى يناقش بناء على ما في ذهنه وليس بناء على ما اتفقنا عليه.
وهذا كل ما وقع لي من اللقاء معه في جلستين فقط.
ثم بعد ذلك بدأ ينشر رداً في مجلة التمدن الإسلامي، وبدأت أنا أرد عليه، وكان من ذلك رسالة ربما رأيتموها: ردة عقيب الحثيث، وقد نشرت في مجلة التمدن الإسلامي مقالات متتابعة، ثم بعد ذلك فصلناها في رسالة، وكنت بدأت منذ سنتين أو ثلاث بإعادة النظر فيها وإضافة فوائد جديدة عليها، ثم سبحان الله! صرفتني الصوارف العلمية الكثيرة؛ لأني كان في عزمي أن أعيد نشرها، خاصة بعد أن وجد له بعض التلامذة الذين لا علم عندهم وإنما هم يتلقفون كل ما يقوله الشيخ، ويبدو أن نشاطه في لبنان واسع.
فنعود أخيراً بناءً على هذا السؤال ونقول: إن أتباعه مضلَّلون منه، ولذلك فأنا أنصح استعمال الصبر والأناة وطول البال في مناقشة الأتباع بالحكمة والموعظة الحسنة.
أنا أخشى ما أخشاه أن يكون الرجل غير مخلص، وأن يكون مدسوساً من جهة أخرى الله أعلم بها؛ لأننا نعلم في التاريخ الإسلامي أن الرءوس إما أصحاب أهواء عن قصد، أو غير قصد أما الأتباع فمضلَّلون، وكثير منهم إذا تبينت لهم الحقيقة عادوا إليها وتمسكوا بها، ولذلك فلا أرى مقاطعتهم ومدابرتهم، وإنما الصبر عليهم، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، هذا لمن كان على وذا صدرٍ واسع؛ ليتمكن من نقل الكلمة الطيبة إليهم، وما أدري كيف الوضع عندكم هناك؟ السائل: يا شيخ! الحقيقة أنهم يكذبون كثيراً، فلذلك ليس فقط شيخهم يشكك فيه، بل حتى قادتهم الذين بعثوهم -أيضاً- على مثيلتهم، يذهب يناقشك ويقول: والله أنا ذهبت لاستتابة الشيخ فتاب على يدي، وهذا قالوه عني شخصياً، مع أنه خرج من عندي بأسوأ حال، وبعضهم أقسم بالله أنهم يفسقون معاوية عليه الرضوان، فأقسم أحدهم بالله أن هذا ليس صحيحاً، وأنه لو اكتشف ذلك لخرج منهم في الحال، وبعد أسبوع حدثت مناظرة في سدني وهو كان يقرأ لشيخهم، وقال: هذا صحيح، وهو تأكيد لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق) فهو سب علياً فهو فاسق.
السائل: وهم سيخرجون كتاباً بكفر الوهابية والهجوم عليهم، فنحن نريد حكم الشرع فيهم الحكم النهائي.
الشيخ: نحن لا نعطي حكماً نهائياً بالنسبة لكل الفرق الضالة، الحكم النهائي أنها فرق ضالة، أما أن نعطي حكماً نهائياً في كل فرد من أفراد الفرق الضالة، فهذا جنف وبغي وظلم وعدوان لا يجوز، عندنا مثلاً الشيعة ومن يقال فيهم الرافضة، كثير من علمائهم لا نشك في كفرهم وضلالهم كـ الخميني مثلاً؛ لأنه أعلن كفره في رسالته الحكومة الإسلامية.
لكن لا نستطيع أن ندين كل فرد من أفراد الشيعة أنه يتبنى هذه العقيدة، فيمكن أن يكونوا على الفطرة.
مثلاً بالنسبة لمن يسمون بـ أهل السنة والجماعة الذين يتعبدون ربنا عز وجل على المذاهب الأربعة، كثير من عامة المسلمين لا يدينون بفلسفة الأشاعرة الذين ينفون عن الله صفة العلو ويقولون: الله لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، الفلسفة عامة المسلمين ما يعرفونها، بل أنا أعتقد حتى الكفار النصارى واليهود ربما لا يشاركونهم في هذه الضلالة.
فعامة المسلمين لا يزالون على الفطرة؛ لأنهم يرفعون أيديهم ويسألون الله عز وجل، فلا نستطيع أن نقول: إن كل فرد من أفراد أهل السنة وأهل السنة من هم الآن؟ الماتردية والأشاعرة، إذاً هؤلاء كهؤلاء، نحن لا نقول هذا، وهذا في أهل السنة فما بالنا في الشيعة؟ الشيعة فيهم كفريات وضلالات، وحسبكم كتذكير بما يزعمونه من مصحف فاطمة، وذاك الذي ألف رسالة عنوانها فصل الخطاب في إثبات تحريف كلام رب الأرباب، المقصود هل كل فرد من أفراد الشيعة العامة يعتقد أن المصحف محرف؟ الجواب: لا والله.
السائل: هل يجوز إطلاق الفتوى فيهم والشدة عليهم؟ الشيخ: لا يجوز إطلاق الفتوى العامة، وإنما من اعتقد بما هو كفر فهو كافر، لكن هنا ضميمة أخرى لابد -أيضاً- أن تكون في بالكم: من اعتقد ما هو كفر فهو كافر بشرط: الإنذار والتبليغ، بهاتين الضميمتين ممكن أن نقول: فلان كافر، أما هكذا بالكم: