[الخروج في سبيل الله]
يقول في المبدأ السادس الذي أقيمت عليها دعوتهم: ومغزى هذا المبدأ هو التخلي عن مشاغلنا اليومية للتمرن وللجهد في إجراء الحياة على السنة النبوية، على صاحبها أتم الصلاة والتسليم، ودعوة الآخرين: التمرن والجهد؛ فإنهم كما قلت في الصفحات الأولى: إننا لا نستطيع التخلي من المشاغل البشرية لطول العمر، فإنه أمر محظور، ولكننا نستطيع دون صعوبة أن نوفر شهوراً في العام، أو أياماً في الشهر، كما نوفر للنزهة والاستجمام.
إلى آخر كلامه.
قال: وهذا الخروج في سبيل الله نوع من الجهاد، وتدل التجربة -الشاهد الآن هنا- قال: وتدل التجربة والمشاهدة على أن هذا الخروج في الدعوة إذا كان لأربعين يوماً في كل عام، فهو خير معاون على نيل المقصود.
الآن نحن قلنا: ونشهد أن محمداً رسول الله، والآن التزم هؤلاء الخروج بأربعين يوماً، فعدد الأربعين من أين جاء؟! إذا كنا ندعو الناس لاتباع سنة الرسول عليه السلام فعدد الأربعين من أين جاء؟ ليس مثل هذا إلا مثل الطرق التي ورثناها.
أنا أعتقد أن هذه طريقة صوفية جديدة، وأنا أقول بهذا القول منذ سنين، لما أسأل عن جماعة التبليغ، أقول: صوفية جديدة؛ لأن دعوتها دعوة ليس فيها بغض في الله، وهم يقررون في دروسهم: أن من الإيمان: الحب في الله والبغض في الله، ولكن من الناحية التطبيقية البغض في الله غير وارد إطلاقاً، وكلامه السابق يدل على ذلك، ولعلي أذكركم بكلامه السابق: أن كل مسلم لابد أن يكون موقفنا تجاهه موقف مسالم.
ونحو ذلك.
ولفظ هذا المبدأ ظاهره هو التعلق على مكانة المسلم، والنصح له، وتأدية ما له علينا من حقوق دون الطمع في أن يأتي بحقوقنا، وعلى كل مسلم أن يحترم أخاه ويحبه، وينصح له مهما ساءت حالته الدينية.
هذا ليس من الإسلام؛ لأن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان، وهذا رفع البغض في الله من باب المسايسة والمداراة، وبهذا لن تقوم الدولة المسلمة أبداً، ولن يتحقق المجتمع الإسلامي، إذا كنت أنا أريد أن أحب المصلح وأريد أن أحب المفسد، وأريد أن أوادد المصلح، وأريد أن أوادد المفسد.
المهم الناحية الأخيرة: الخروج لأربعين يوماً هذا يعرف كل مسلم أنه لم يكن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا من هدي الصحابة، ولا من هدي السلف الصالح، لاسيما وفي هذا الخروج شيء من الغرابة، إذ لو أنه خرج جماعة من أهل العلم والفقه كنا نقول: لا بأس؛ وإنما هذا التقييد ليس له أصل، لكن من خطتهم: أنهم ينزلون في قرية وفي بلدة، فإذا وجدوا في هذه القرية إنساناً تجاوب معهم من الناحية الروحية قالوا: يخرج معنا، هذا الذي يخرج معهم ماذا يستفيد؟ وهذا في الواقع له صلة بما قلت في كلمة أخيرة: هذا سيبعث الغرور في هؤلاء العامة؛ لأنهم يصور لهم أنهم خرجوا للدعوة، وصاروا دعاة، وهم بحاجة كبيرة جداً إلى أن يتعلموا العبادة والدين، فبدل هذا كله لماذا لا يحضرون مجالس العلم في المساجد، وفي المدارس، وفي حلقات العلوم الشرعية بدل هذا الخروج؟ هذا الخروج فيه إبعاد لهم عن أهلهم وعملهم، وعن العلم أيضاً؛ لأن العلم في هذا الخروج لا يتحقق، ونحن نعرف هذا بالتجربة، لكن لأناس أوتوا حظاً من العلم؛ لأن السفر تقع فيه بعض المسائل التي لم يعتد عليها المقيم، لكن عامة الناس ليس بحاجة إلى مثل هذا الخروج، فإذا ذكروا هذا -أنه يخرج معهم العامة وهم لا يعلمون شيئاً من العقيدة فضلاً عن الفقه- ثم وجدنا أنهم يلتزمون الإخراج والخروج بعدد معين -أربعين يوماً- هذا رقم ما أنزل الله به من سلطان، لا أدري كأن هذا الرقم له معنى أو مغزى خاص في أذهان بعض المسلمين، فهنا -مثلاً- هؤلاء يلتزمون الخروج بأربعين يوماً، تجد أناساً يلتزمون عدداً متتابعاً من الأربعين، هو ناتج الصلاة النارية المعروفة؛ لأن عددها أربعة آلاف وأربع مائة وأربع وأربعون، ما صار خمسة وأربعين وإنما كلهن أربعة، هذا بلا شك من وحي الشيطان، وهذا الذي يتقيد بمثل هذه الأرقام يعلم أنها لم تأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما اتخذها الرسول عليه السلام مشروعاً سديداً وحيداً أبداً.
نحن -مثلاً- حينما يعقد أحدنا الأذكار معدودة: ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، وثلاثاً وثلاثين تحميدة، وثلاثاً وثلاثين تكبيرة، إنما يفعل ذلك استسلاماً للنص؛ لأن الله عز وجل قال: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] لمن هذا التسليم؟ للرسول ولرب العالمين.
هذا من خواصه، فنحن الآن نتلقى أرقاماً في كل عصر وفي كل مصر أرقاماً جديدة من الأذكار، ومن غير الأذكار حتى في الخروج للدعوة، هذه الأرقام لم ترد إطلاقاً، ونحن لا نتقيد بها؛ لأن هذا لا يلتقي مع شهادتنا لنبينا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بأنه رسول الله.
ولا ينطلي هذا إلا على الناس الذين لم يتنبهوا للوازم الشهادة للرسول عليه السلام بالرسالة، أو تنبهوا ولكن ما عرفوا الرسول عليه السلام ما عرفوا سيرته ما عرفوا شريعته، والواقع أن هذه النقطة مهمة جداً؛ لأن معرفة ما كان عليه الرسول صلوات الله وسلامه عليه يتطلب دراسة السنة وعلم الحديث.