للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الصحابة وبين عامة الناس اليوم في فهم العقيدة]

وهنا عبرة لا بد أن أذكرها، وهي: يتبين لنا الفرق بين الحياة التي كان يعيشها عامة المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى الجارية راعية الغنم، وبين ما يعيشه اليوم عامة المسلمين وكثير من خاصتهم؛ لأن هذا السؤال لو وجه إلى كثير من الخاصة، وفيهم بعض كبار علماء الأزهر الذي يوصف فيقال: الأزهر الشريف، لو وجه إليهم هذا

السؤال

أين الله؟ لم يجيبوا بجواب الجارية ما هذه الفارقة بين كبار العلماء في العصر الحاضر لا يجيبون عن سؤال الرسول عليه السلام، بينما راعية الغنم تعرف الجواب الصحيح لهذا السؤال الوجيه؟ أقول: هذا دليل على أن المسلمين في العهد الأول ربوا جميعاً -لا فرق بين خاصتهم وعامتهم- ربوا جميعاً بتربية النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يتعلق -على الأقل- بالعقيدة التي لا بد لكل مسلم أن يكون فاهماً لها أولاً، ثم مؤمناً بها.

هذه الجارية كيف عرفت العقيدة الصحيحة؟

الجواب

الجارية لا نتصور أنها كانت تتمكن أن تحضر حلقات العلم، التي كان يحضرها كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخاصتهم، بينما الآخرون ما كانوا يحضرون جلسات الرسول عليه السلام، إذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما سمع حديثاً من أبي هريرة رضي الله عنه ندم فقال: [شغلنا الصفق في الأسواق] إذا كان هذا عمر فماذا نقول عن الصحابة الآخرين؟ وماذا نقول عن النساء؟ بل ماذا نقول أخيراً عن الجواري وعن راعية الغنم؟ أريد من هذه التوطئة: كيف فهمت هذه الجارية هذه العقيدة الصحيحة، التي إلى الآن لم يفهمها بعض الخاصة من أهل العلم؟ إنها كانت تعيش في جو موحد بالتوحيد الصحيح الذي لا مثيل له في الدنيا إطلاقاً؛ بسبب وجود النور بين ظهراني أولئك الصحابة من الرجال والنساء، من الخاصة والعامة، وهو الرسول عليه السلام، هذه الجارية تلقت هذه العقيدة من سيدها، فسيدها يسمع العقيدة الصحيحة؛ بل والأحكام الشرعية من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يقتصر على الاحتفاظ بها بل ينقلها إلى من يعوله، إلى من ينفق عليه مادة وينفق عليه -أيضاً- علماً ومعنى.

من هنا نعرف لماذا عرفت الجارية هذه العقيدة الصحيحة؛ لأنها عاشت في ذلك الجو الوحيد في فهمه بالتوحيد الصحيح، أما اليوم فالمسلمون يعيشون في أجواء متباينة في عقائد متفرقة متضاربة أشد التضارب؛ ولذلك فلا نجاة للمسلمين في هذا الزمان إلا أن يعودوا إلى ما كان عليه السلف الصالح، وأن يحققوا في أنفسهم خبر نبيهم صلى الله عليه وسلم، حينما قال واصفاً للفرقة الناجية: (هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي) .