للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوفيق بين العمل والقدر]

السؤال

هل الزواج من الأمور المقدرة على الإنسان جبراً؟

الجواب

هذا سؤال قديم لكنه حديث في التعبير، هذا كمن يقول: هل السعادة والشقاوة مقدرة للعبد أم لا؟ أما الجواب العقلي والشرعي في آن واحد، فهو أن كل شيء بقدر، والزواج إما أن يكون زواجاً شرعياً أو أن يكون زواجاً بدعياً، فإن كان زواجاً شرعياً فهو خير، وإن كان زواجاً بدعياً فهو شرٌ، فهل الخير والشر مقدر على الإنسان؟ الجواب: نعم.

كل شيء بقدر، كما جاء في الحديث الصحيح: (كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس) ولكن إذا كان كل شيء بقدر حتى السعادة والشقاوة فلم العمل؟ لقد ذكروا للرسول هذا السؤال حينما أخبرهم بأن كل شيء مستطر، كل شيء مسجل، قالوا له: ففيم العمل؟ فأجابهم عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الجواب الحكم الفصل الذي لا جواب بعده ولكن لمن فهمه، قال عليه الصلاة والسلام: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فمن كان من أهل الجنة فسيعمل بعمل أهل الجنة، ومن كان من أهل النار فسيعمل بعمل أهل النار، ثم قرأ قوله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:٥-١٠] ) إذاً كل ميسر لما خلق له.

بالنسبة للسؤال السابق: من كان يريد الخير فيسعى إليه ويتزوج الزواج المشروع، ومن كان يريد الشر يسعى -أيضاً- إليه ويتزوج بزواج غير مشروع، كلٌ ميسر لما خلق له، لذلك لا يقولن أحدكم: إذا كانت السعادة مكتوبة لي فإذاً لماذا أنا أتعب نفسي وأصلي وأصوم وأنا سعيد؟ أو إذا كنت كتبت شقياً -لا سمح الله- لماذا -أيضاً- لا أتمتع بملاذ الحياة كلها ولا أتعب نفسي بصلاة وعبادة وصيام.

إلخ؟ الجواب: إن كنت صادقاً مع نفسك فقل كل شيء مثل السعادة والشقاوة، وسابقاً ذكرنا أن الرزق سيأتي، فلماذا تسعى وراء الرزق؟! والرزق -أيضاً- مما سجل كالسعادة والشقاوة، كل شيء مسطر، فلماذا تسعى وراء الرزق؟! لأنك تعلم أنك إن لم تسع لم يأتك، فهنا أنت معتزلي، أي: تؤمن بالأسباب، أما هناك فأنت جبري فيما يتعلق بالسعادة؛ لأنك لا تعمل؛ لأنه إن كان مكتوباً سعيد فأنت سعيد، وإن كان مكتوباً شقي فأنت شقي، وإن كان مكتوباً فقير فأنت فقير، فلماذا تسعى؟ لا بد من السعي، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} [الإسراء:١٨-١٩] لذلك لا بد من السعي وراء الخير، ولا بد من الابتعاد عن الشر، والله عز وجل بحكمته قدر أن يعطي لكل إنسان ما يسعى إليه، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩] .