[عموم تحريم إسبال الثياب]
كلمة (إطالة الإزار) هو التعبير النبوي، والتعبير العربي القديم، والذي يهمنا اليوم هو: تطويل البنطلون وتنزيله إلى الأرض وجره، على اعتبار أن هذه هي الموضة الوافدة من بلاد الغرب.
فاسمعوا الآن معي هذا الحديث، وانتبهوا بعد ذلك لما يلي من التعليق هذا الحديث يرويه الإمام أحمد في مسنده الجامع للأحاديث الكثيرة الطيبة بإسناد قوي: عن عمرو بن فلان الأنصاري -ذهب عن ذهن الراوي اسم عمرو الصحابي بالكامل فقال: عن عمرو بن فلان الأنصاري - قال الراوي: (بينما هو يمشي قد أسبل إزاره، لَحِقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخذ بناصية نفسه وهو يقول: اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك، قال عمرو: فقلت: يا رسول الله! إني رجل حَمْش الساقين.
فقال: يا عمرو! -بيت القصيد في هذا النداء من الرسول الكريم- قال: يا عمرو! إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء خَلْقَه -هذا جوابه لقوله: إني حَمْش الساقين، أي: دقيقهما، يعني: أنه مُعَظِّم قليل لحم الساقين، وكل من يراه قد يضحك- يا عمرو! إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء خَلْقَه، يا عمرو! وضرب رسول الله صلى الله عليه وآله سلم بأربع أصابع بكفه اليمنى تحت ركبة عمرو - فقال: يا عمرو! هذا موضع الإزار، ثم فعل ذلك مرة ثانية -أي: وضع أربع أصابع تحت الأربع أصابع الأولى- ثم رفعها، ثم وضعها تحت الثانية -فصارت اثنتي عشرة أصبعاً- فقال: يا عمرو! هذا موضع الإزار) .
انتهى الحديث.
لاحظوا معي الآتي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاله وعَظُم عليه أمر هذا الصحابي أن يمشي وإزاره مسبَل، ويدلكم على هذا أنه وضع يده على ناصيته، وهذا كأنه عادة لا تزال معروفة عند بعض الناس؛ فمن هاله أمر فإنه يضع يده على رأسه، وهكذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم رفع رأسه إلى ربه عز وجل متضرعاً إليه أن يغفر لهذا الأنصاري - عمرو - فعْلَته هذه؛ ولكنه قال هذه الكلمة مُسْمِعاً عَمْراً إياها.
ولذلك كان جواب عمرو معتذراً بقوله: (يا رسول الله! إني رجل حَمْش الساقين) أي: دقيقهما.
وبما أن الناس عادة يلفت نظرهم حموشة الساقين ودقتهما، إلا أن أكثر الناس -في الواقع- لا يتذكرون هذه الحقيقة التي لَفَتَ إليها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نظر هذا الرجل الذي خلقه الله حَمْش الساقين، حيث قال له: (إن كل شيء خَلَقَه الله عز وجل فهو حسن) ، وقد {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة:٧] ، كما هو النص في القرآن.
وهذا التعليل من الرسول عليه السلام يقصد به الآتي: أولاً: تهويل هذا الذي لا يُعْجِب هذا الإنسان أن الله عز وجل قد خلقه حَمْش الساقين.
ثانياً -وهو الأهم-: أن الناس الآخرين الذين يرون هذا الإنسان حَمْش الساقين -وهو من خلق الله عز وجل- فلا تعجبهم هذه الحموشة، فأقول لهم: حذارِ من ذلك! لأن هذا خَلْق الله، وكلُّ ما خَلَق الله عز وجل فهو حسن.
أقول هذا وإن كنتُ أذكر بأن هناك قصة أو حديثاً وقع في زمن الرسول عليه السلام وهو في سفر، ولعله كان في حجة الوداع -لا أذكر الآن- وكان معه عبد الله بن مسعود، فأخذ يتسلق شجرة -لعلها الأراك- ولا يخفاكم أن هذا الإنسان الذي يصعد تنكشف ساقاه أكثر مما لو كان على الأرض، ولو كان إزاره على السنة تحت الركبة، فلما رآه بعض الصحابة ضحكوا، وهذا اندفاع واستجابة للطبيعة التي يُفْطَر عليها الإنسان ما لم يُهَذَّب بتهذيب الشارع الحكيم، فكان جواب الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن قال لمن حوله: (إنهما أثقل من أحد في الميزان يوم القيامة) ، أي: ساقي ابن مسعود الدقيقتين الرقيقتين.
فنجد نبينا عليه الصلاة والسلام في حديث عمرو يحاول تلطيف وَقْع هذا الخَلْق الذي قد لا يُعْجِب بعض الناس حتى الرجل نفسه، فلَفَتَ نظره إلى أن خَلْقَ الله كلَّه حسن، وهذا ما كنا نحن نقوله، وهنا الشاهد الأول من هذا الحديث.
فعندما نقول: إن الله عز وجل لَمَّا خلق الرجل بلحية والمرأة بدون لحية فإنه ما خلق هذا عبثاً، وما جعل هذا التفاوت هكذا لا لحكمة ولا لغاية، وإنما كل خَلْق الله عز وجل حسن.
فإذا كان النظام العام دائماً وأبداً أن الرجل له لحية والمرأة ليست لها لحية، وإذا بنا اليوم نرى بعض مَن يُسَمَّون بالشواذ، حيث يوجد رجل أمرد لا لحية له، وامرأة لها لحية! هذا أيضاً ليس عبثاً، بل هذا -كما قلنا مراراً وتكراراً- يلَفْتِ نظر الملاحدة والزنادقة الذين لا يؤمنون بالله عز وجل، وأنه هو الذي خلق هذا الكون، وأحسن خَلْقَه كما عرفتم.
فمن حُسْن خَلْقِه أن يلفت نظر عباده إلى أن القضية ليست صُدفة أن الرجل بلحية والمرأة بدون لحية! انظروا فهو يخلق لكم رجلاً بدون لحية (أمرد) وامرأة بلحية! إذاً هذا خلق الله!! فيجب أن نتذكر هذه الحقيقة، فما خلقه الله عز وجل فهو حسن، ولا يجوز لإنسان أن يستقبحه.
فالرسول عليه الصلاة والسلام لفت نظر هذا الصحابي إلى هذه الحقيقة، وكأنه يواسيه إن كان في نفسه شيء من حَمْش ساقيه، ثم رد عليه اعتذاره في إطالته لإزاره بهذا الحَمْش؛ لأن هذا ليس عذراً؛ لما سَبَقَ مِن أنه خَلْق الله، ولذلك قال له: (هذا موضع الإزار) .
ومع هذا فإنك لو كان لك مثل هذا الخَلْق وهو حَمْش الساقين؛ لجعلت إزارك طويلاً لستر هذا العيب، كما عند بعض الناس، وهذا ليس عذراً لك أبداً؛ لأن هذا خلق الله، ولستَ أنت مسئولاً عنه، فيجب أن تلتزم النهج الذي شرعه الله عز وجل على لسان النبي عليه الصلاة والسلام في عدم إطالة الإزار.