للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعمة العقل واختلاف الناس فيه]

بعض الأحباش -تلاميذ عبد الله الحبشي - قاموا بمخاطبة بعض نساء هذا البلد عن طريق الفطرة، كأن يقولوا لهن: من خلق المكان؟ فيقلن: الله.

فيقول هذا الحبشي: وهل يجوز أن الله هو خالق المكان أن يكون داخل هذا المكان؟ فتجيب المرأة: لا.

فيقول لها: إذاً الله لا يحده شيء، لا هو في الأعلى ولا في الأسفل، ولا في الأمام ولا في الخلف، ولا في اليمين ولا في اليسار، وكذلك سائر الصفات، يقولون: إن اليد المتعارف عليها هي الجارحة المتعارف عليها بين البشر، وهذا محال أن يكون لخالق البشر وهو رب العباد، أفيدونا جزاكم الله خيراً.

الجواب

ليتها كانت طريقة فطرية! إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠-٧١] .

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

قبل أن أشرع في الإجابة عن هذا السؤال، أطمئن المسلمين جميعاً الحاضرين منهم والغائبين، الرجال منهم والنساء: بأن الله تبارك وتعالى منزه عن كل مكان؛ ذلك لأن المكان حينما يطلق فإنما يقصد به ما كان عدماً ثم خلقه الله عز وجل، فجعله مكاناً لمثل هذه المخلوقات المختلفة من إنس وجن وملائكة، ولكن هذه الكلمة التي تلقى من أولئك الناس، وهم معلومون عند أهل العلم بأنهم يحيون سنة سيئة من علم الكلام القائم على العقل، وليت هذا العقل كان عقلاً موحداً بين جميع الناس، بين المسلمين منهم والكافرين، وبين الصالحين من المسلمين والطالحين، ليت هذا العقل كان عقلاً موحداً؛ حتى يصح لكل عاقل أن يرجع في الحكم إليه! ولذلك كان من الحماقة بمكان عظيم أن يحكم هؤلاء المنتمون إلى الإسلام بإخلاص أو بغير إخلاص، فحسابهم على الله!! لكن لو كان العقل موحداً لكان لهم نوع من العذر أن يحكموا عقولهم، أما والعقول -أولاً- مختلفة -كما قلنا ولا أعيد التفصيل- بين صالح وطالح؛ فليس لهم عذر أن يحكموا عقولهم.

والآن أقول فرقاً آخر: عقل العالم يختلف كل الاختلاف عن عقل الجاهل، ولا أقول: عقل عالم بالشرع، وإنما أقول: عقل عالم بأي علم، يختلف كل الاختلاف عن عقل آخر ليس بعالم ذاك العلم الذي عقله الرجل الأول -فمثلاً الطبيب العاقل لا يمكن أن يشاركه في عقله وفي علمه من لم يكن مشاركاً له في طبه، والعكس بالعكس تماماً، من كان عالماً -مثلاً- بالفيزياء أو الكيمياء لا يمكن أن يشاركه من كان عالماً بالطب.