للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[(التصفية والتربية) هي القاعدة الصحيحة للتغيير]

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الحكم الإسلامي، وتأسيس الأرض الإسلامية الصالحة لإقامة حكم الإسلام عليها إنما يكون بالدعوة أولاً دعوة التوحيد، ثم تربية المسلمين على أساس الكتاب والسنة.

وحينما نقول -إشارة إلى هذا الأصل الهام بكلمتين مختصرتين-: لا بد من التصفية والتربية.

بطبيعة الحال لا نعني بهما أن تصير هذه الملايين المملينة من هؤلاء المسلمين أمة واحدة، وإنما نريد أن نقول: إن من يريد أن يعمل للإسلام حقاً، وأن يتخذ الوسائل التي تمهد له إقامة حكم الله في الأرض؛ لابد أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكماً وأسلوباً.

بهذا نحن نقول: إنه ما يقع؛ سواءً في الجزائر أو في مصر، هذا خلاف الإسلام؛ لأن الإسلام يأمر بالتصفية والتربية.

أقول: (التصفية والتربية) لسبب يعرفه أهل العلم نحن اليوم في القرن الخامس عشر ورثنا هذا الإسلام كما جاءنا طيلة هذه القرون الطويلة، لم نرث الإسلام كما أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك فالإسلام الذي آتى أكله وثماره في أول أمره، هو الذي سيؤتي أيضاً أكله وثماره في آخر أمره، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أمتي كالمطر لا يدرى الخير في أوله أم في آخره) فإذا أرادت الأمة المسلمة أن تكون حياتها على هذا الخير الذي أشار إليه الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث المذكور آنفاً، وفي الحديث الآخر، والذي هو منه أشهر: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) .

أقول: لا نريد بهاتين الكلمتين أن تصبح الملايين المملينة من المسلمين قد تبنوا الإسلام مصفىً، وربوا أنفسهم على هذا الإسلام المصفى، لكننا نريد لهؤلاء الذين يهتمون بشئون المسلمين حقاً: أولاً: تربية نفوسهم، ثم تربية ذويهم، ثم ثم فيصل الأمر إلى هذا الحاكم الذي لا يمكن تعديله أو إصلاحه أو القضاء عليه إلا بهذا التسلسل الشرعي المنطقي.

بهذا نحن كنا نجيب بأن هذه الثورات، وهذه الانقلابات التي تقام، حتى الجهاد الأفغاني كنا غير مؤيدين له، أو غير مستبشرين بعواقب أمره حينما وجدناهم خمسة أحزاب، والآن الذي يحكم والذي قاموا ضده معروف بأنه من رجال الصوفية -مثلاً-، فالقصد أن من أدلة القرآن الكريم أن الاختلاف ضعف، حيث أن الله عز وجل ذكر من أسباب الفشل هو التنازع والاختلاف: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم:٣١-٣٢] إذاً: إذا كان المسلمون أنفسهم شيعاً لا يمكن أن ينتصروا؛ لأن هذا التشيع وهذا التفرق إنما هو دليل الضعف.

إذاً: على الطائفة المنصورة التي تريد أن تقيم دولة الإسلام بحق، أن تتمثل بكلمة أعتبرها من حِكَمِ العصر الحاضر، قالها أحد الدعاة -ولكن أتباعه لا يتابعونه- ألا وهي قوله: (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم؛ تقم لكم على أرضكم) .

فنحن نشاهد، لا أقول: الجماعات التي تقوم بهذه الثورات؛ بل أستطيع أن أقول: نشاهد كثيراً من رءوس هذه الجماعات لم يطبقوا هذه الحكمة التي تعني ما نقوله نحن بتلك اللفظتين: (التصفية والتربية) ، إذ لم يقوموا بعدُ بتصفية الإسلام مما دخل فيه، مما لا يجوز أن ينسب إلى الإسلام في العقيدة، أو في العبادة، أو في السلوك، لم يحققوا هذا، أي: تصفية نفوسهم؛ فضلاً عن أن يحققوا التربية في ذويهم، فمن أين لهم أن يحققوا التصفية والتربية في الجماعة التي هم يقودونها ويثورون معها على هؤلاء الحكام؟! أقول: إذا عرفنا -بشيء من التفصيل- تلك الكلمة وهي (ما بني على فاسد فهو فاسد) فجوابنا واضح جداً أن ما يقع في الجزائر وفي مصر وغيرها هو: أولاً: سابق لأوانه.

ثانياً: مخالف لأحكام الشريعة غايةً وأسلوباً.

لكن لابد من شيء من التفصيل فيما جاء في السؤال.