[مناقشة الشيخ لتحريريين حول شمول العقيدة]
أنا بالمناسبة لما كنت أناقش جماعة التحرير في مذهبهم وفي ضلالاتهم أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، وكنت أقول لهم: إن قولكم هذا عقيدة، وأنتم تشترطون في العقيدة الدليل القاطع ثبوتاً ودلالة، فأين الدليل القاطع على أن العقيدة لا تؤخذ إلا من حديث قطعي الثبوت قطعي الدلالة؟ وأثبت لهم بأنهم ليسوا في عقيدة منذ نشأ حزبهم؛ لأنهم تطوروا في هذه المسألة بالذات على ثلاث مراحل وثلاثة أقوال: القول الأول: الذي كان مسطوراً في الطبعة الأولى من كتاب لهم لا أذكر الآن اسمه، لكنَّ فيه فصلاً بعنوان: (طريق الإيمان) يقولون هناك: لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، هكذا (لا يجوز) .
ثم صدرت الطبعة الثانية للكتاب، وإذا هم يستبدلون (لا يجوز) بـ (لا يجب) رفعوا كلمة (لا يجوز) ووضعوا كلمة (لا يجب) فصارت: يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، ومن قبل كانوا يقولون: (لا يجوز) عدلوها إلى (لا يجب) فقولهم: (لا يجب) أي: يعطيك الحرية، إن شئت ألا تأخذ وإن شئت أن تأخذ، أما من قبل قالوا: (لا يجوز) هذا التطور الثاني.
التطور الثالث: وما أدري إذا كانوا لا يزالون مستقرين عليه، قالوا: يجب الأخذ بحديث الآحاد بمعنى التصديق وليس العقيدة! تلاعب بالألفاظ (التصديق لا العقيدة) وهذا نقاش جرى بيني وبين بعض أبناء بلدك بالذات حينما جمعنا سجن الحسكة، وجدت هناك خمسة عشر حزبياً تحريرياً، وعليهم رئيس واحد حلبي اسمه: مصطفى بكري، أتعرفون مصطفى بكري؟ الحضور: لا.
الشيخ: لا تعرفونه! والحموي الذي كان هو مجادلهم الكبير كان بديناً طويلاً أشقر ذا هيئة -ولا أقول: ذا هيبة- المقصود: قلت له: أنت -يا أخي- تتحمس لعقيدة الحزب وأنت لا تعرفها، قال: كيف؟ قلت له: ألا تعتقد أن الحزب كان يرى من قبل أنه لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة؟ قال: نعم، وهذه هي عقيدتنا، قلت له: ثم طوروا هذا وقالوا: لا يجب، قال: أين؟ قلت له: الطبعة الثانية، وأخيراً قالوا بجواز الأخذ، ولكن بالتصديق وليس بالإيمان والاعتقاد.
الله أكبر! يتلاعبون بالألفاظ حتى لا يظهروا تراجعهم أمام أفراد حزبهم، المهم هذه مقدمة، وكنت قد احتججت عليهم بأمور لا قبل لهم بردها، قلت لهم: يا جماعة! -وهنا الشاهد بالنسبة للكلام الذي سمعناه آنفاً- الإسلام بكل ما جاء فيه هو لابد من عقيدة، أنت إذا أديت فريضة وجردتها من العقيدة لم تصنع شيئاً، إذا ابتعدت عن محرم لا لأن الله حرمه ما تعبدت الله بهذا الابتعاد ... إلخ، ومن جملة ما قلت: لو كان هناك تفريق بين العقيدة وبين الأحكام لكان القول على العكس هو الأقرب إلى الصواب؛ ذلك لأن كل حكم يتضمن عقيدة، فإذا عري هذا الحكم من العقيدة بَطَلَ.
بينما ليس كل عقيدة يتضمن عملاً، وأنت تستطيع أن تعتقد ولا يلزمك أي عمل بمثل هذه العقيدة، مثلاً: الإيمان بعذاب القبر، وهم يشكون فيه ويقولون: إن عذاب القبر غير ثابت؛ لأنه لا يوجد دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، ولسنا بصدد إبطال دعواهم هذه أيضاً، المهم أنت اعتقادك أن هناك عذاباً في القبر أو لا يوجد عذاب في القبر، لا يغير هذا الاعتقاد شيئاً من منطلقك في حياتك وفي عملك، وفي العاقبة لها تأثير، ولكن أريد التفريق بين الأحكام الشرعية، فكل حكم يتضمن عقيدة، أنت تقول: هذا حرام، أي: تعتقد أنه حرام، تقول: هذا فرض، أي: تعتقد أنه فرض، وهكذا الأحكام الخمسة كما يقولون، فإذاً: الإسلام كله عقيدة -وهذه حقيقة- وهذه العقيدة حينذاك لا بد أن تحفز صاحبها على التجاوب معها؛ إن كان مجرد إيمان بالغيب آمن بالغيب، وإن كان إيماناً بحكم شرعي فهو يعمل به على ضوء ما تضمنه الحكم الشرعي، وضربت له مثلاً: كان مما ابتليت به هناك في دمشق مجادلة القاديانيين، ومن جملة عقائد القاديانيين الضالين أنهم يعتقدون أن ركعتي الفجر -السنة- واجبة، أنا أتخذ هذا مثلاً وأقول: رجلان بعد أذان الفجر قاما وصليا ركعتين، أحدهما بنية السنة -وهذا هو الصحيح- والآخر بنية الواجب -وهذا غير صحيح-؛ فالعمل واحد لكن اختلفت النية، فنية أبطلت العبادة، ونية صححت العبادة.
إذاً: المدار في كل أحكام الإسلام هو العقيدة، فلا يجوز فصل العقيدة في بعض الإسلام دون بعض إطلاقاً، وهذا نوع من الفقه الذي ينبغي أن نتنبه له.
مداخلة: هنا مسألة: أحياناً إخواننا في مسألة العقيدة وغيرها عندما نقول: منهاج، وعقيدة، وشريعة، مثل بعض الآيات في القرآن التي فصلت مثل هذا، أو العلماء الأقدمون الذين قالوا: عبادات، وعقيدة، ومعاملات؛ لا يفرقون بين الاصطلاح الذي هو للتدريس والتعليم والتدريب وبين أصل الدين ككل، ثم هنا يبدو لي ملاحظتان: أن حزب التحرير وغيرهم، فضلاً عن أنهم لا يفقهون الدين لا يفقهون اللغة العربية، عندما يقولون: تصديق دون عقيدة.
الشيخ: طبعاً هذا خلاف القرآن.
مداخلة من الشخص السابق: نعم.
والملاحظة الثانية هذه من ملاحظات الاصطلاح.
الشيخ: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:٦] قال: مبشراً! مداخلة من الشخص السابق: فعقيدتهم هذه تكذبها السنة، وهي قول الرسول صلى الله عليه وسلم -إن أصبت في الفهم-: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها (لا إله إلا الله) وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فيلزم منه الاعتقاد.
السائل: لعل الرجل أراد هنا في المقال لما قال: يريد أن يوسع دائرة التكفير، لعله أراد بهذا أن سيد قطب قال في الأمة الإسلامية الآن في هذا العصر: إنها تعيش جاهلية لا تعيشها الجاهلية الأولى، وقال: إن هذه مساجدها معابد جاهلية، وإن الإسلام يرفض (أَسْلَمَةَ) هذه المجتمعات، أنا قرأته بعيني يا شيخ! الشيخ: هل ذهبت إلى مصر؟ السائل: لا.
الشيخ: هو مصري، هو يحكي ما يشاهده في مساجد عن الست زينب والبدوي إلخ.
السائل: فتكون كل مساجد مصر هكذا؟ الشيخ: لا، أنا لا أقول بالكلية وهو لا يقول بالكلية، لكن هو يتكلم بصفة عامة.
السائل: لكن هو عم المجتمعات يا شيخ!