للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان حقيقة الإسلام]

السؤال

الصحابة رضوان الله عليهم عندما اعتنقوا الإسلام قولاً وعملاً كانوا أسياد العالم، وبعض المسلمين اليوم يتكلمون في أشياء لا تتعلق بالإسلام؛ لأنهم في حقيقتهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام، فما تعليقكم على هذا؟

الجواب

أرى أنه لا بد من الوقوف عند هذه الكلمة: الإسلام، وأسلم فإن كثيراً من الناس اليوم ممن ينتمون إلى الإسلام ويسمون بالمسلمين، كثيرون منهم لا يعرفون حتى اليوم حقيقة إسلامهم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يهنئ من هدي للإسلام، فمعنى هذا أنه يشير إلى أنه قد هدي إلى أكبر نعمة معنوية روحية، فما هو هذا الإسلام؟ لا بأس أن أروي لكم حديثاً هو معروف عند بعضكم، ومجهول أو -على الأقل- غير معروف كثيراً عند آخرين منكم، وفيه عبرة، وفيه موعظة، وفيه بيان لهذا الذي نحن في صدده ألا وهو الإسلام.

ذلك الحديث هو المعروف عند علماء الحديث بحديث جبريل عليه الصلاة والسلام الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، الذي لما يرويه عن أبيه حيث قال: حدثني عمر (أنه كان في مجلسٍ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ جاء رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، ثم قال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام.

قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال السائل: صدقت، قال عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه! قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه! قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة.

قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها.

قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال عمر: ثم لبثنا ملياً -أي: طويلاً، وفي رواية: ثلاثة أيام- ثم قال عليه الصلاة والسلام: أتدرون من السائل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال عليه الصلاة والسلام: ذاك جبريل جاءكم يعلمكم دينكم) .

التعليق على هذا الحديث يطول في الكلام، فهو شيء هام جداً، ولكننا لسنا بهذا الصدد، وإنما سقناه لأمرين اثنين: الأول: تذكيراً لكم به.

والثاني: ربطاً للجواب على السؤال الأول، لما جاء في هذا الحديث ذكر من أسلم ومن هدي للإسلام، حيث سأل جبريل عليه الصلاة والسلام، وهو قد تصور بصورة إنسان، جاء إلى مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام، ويبدو أنه كان في المجلس شيءٌ من الوجوم وعدم الانطلاق في البحث والعلم؛ ذلك لأن قوله عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث من الرواية السابقة: (هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم) .

وقد جاء في رواية أخرى في صحيح مسلم أيضاً، ولكن من رواية أبي هريرة وليس من رواية عمر قال: (هذا جبريل أتاكم يريد أن تعلموا إذ لم تسألوا) الشاهد هنا (أتاكم يريد أن تعلموا -أي: أن تتعلموا- إذ لم تسألوا) فما دام أنكم واجمون وساكتون ولا تسألون، فقد بعث الله عز وجل رسوله جبريل عليه السلام إليكم ليعلمكم طريقة السؤال والجواب.

وهذا الحديث الصحيح من أدلة كثيرة على أن من طرق تعليم العلم في الإسلام طريقة السؤال والجواب، وليس كما يتوهم الكثيرون اليوم الذين لا علم عندهم بالإسلام، أن هذه الطريقة من السؤال والجواب هي طريقة ورقية أجنبية، بل هي طريقة إسلامية شرعها الله عز وجل بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام، حين أرسله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويجلس بين يديه جلوس المتعلم أمام المعلم، قد ألصق ركبتيه بركبتيه، ووضع كفيه على فخذي الرسول، يظهر للناس الحاضرين اهتمامه بالعلم، وما به من حاجة إلى العلم، ولكنه يريد أن يعلم أولئك الذين لم يسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما هم بحاجة إليه من علم، فقال عليه الصلاة والسلام -وهو الشاهد من هذا الحديث- في بيان الإسلام الذي سأل جبريل عنه: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وهذا بمعنى الحديث المشهور المتفق عليه بين الشيخين من حديث ابن عمر نفسه: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) إلى آخر الحديث.

فقد بين الرسول صلوات الله وسلامه عليه في هذا الحديث أن الإسلام هو: أن تشهد أن لا إله إلا الله، ومعنى أن تشهد أن لا إله إلا الله، هو كما جاء -أيضاً- في رواية أخرى: أن تعبد الله وحده لا شريك له.

(لا إله إلا الله) معناها: أن تعبد الله وحده لا شريك له، هذا المعنى مأخوذ من الرواية الأخرى التي أشرت إليها آنفاً، إنما المعنى المتوارث التقليدي المعروف عند علماء المسلمين قاطبة هو قولهم، وقولهم حق: معنى (لا إله إلا الله) : لا معبود بحقٍ في الوجود إلا الله، هذا المعنى صحيح، ونحوه الرواية الأخرى لما سئل عن الإسلام أجاب عليه الصلاة والسلام: (أن تعبد الله وحده لا شريك له) .

ومعنى هذا وذاك: أن الذي أسلم قديماً أو حديثاً أو وراثة، وهو من جهة أخرى يعبد غير الله عز وجل بأي عبادة من العبادات المعروفة للإسلام فليس مسلماً، ولم يُهدَ للإسلام، فلا طوبى له، كل من عبد سوى الله عز وجل فليس مسلماً، ولو قال: لا إله إلا الله، ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم؛ لأنه قد أخل بالركن الأول من أركان الإسلام الخمسة، وهي: أن تشهد أن لا إله إلا الله، أي: ألا تعبد إلا الله، ولا تشرك به شيئاً.

ولخطورة هذا الموضوع؛ لأنه من العقيدة بل هو أس العقيدة، لاسيما أني أرى في كل يوم وجوهاً جديدة، وأفترض بل أقطع بأن هناك من لم يسمع مطلقاً بحثاً في مثل هذا الموضوع الهام، الذي يجب على كل مسلم قبل أن يقلد أباه وجده في الصلاة والصيام أن يعرف ما هو الإسلام، ثم بعد أن يعرف أن يؤمن به إيماناً جازماً، وبعد ذلك ينطلق إلى العمل لبقية أركان الإسلام.

قد يظن بعض الناس بل قد يتساءل: ما فائدة هذا الكلام؟ وهل هناك من المسلمين من لا يعبدون الله وحده؟ هل فيهم من يشرك بالله شيئاً، والحديث يفسر الإسلام: أن تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئاً؟ نقول: مع الأسف الشديد هناك كثيرون وكثيرون جداً يعبدون مع الله غيره، ويشركون به أشياء، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يظن هؤلاء الناس بأن الشرك الذي حذر منه الرسول عليه السلام في هذا الحديث، وجعله مبايناً للتوحيد ولشهادة لا إله إلا الله، هو: أن يعبد إلهاً مع الله كما يعبد الله تماماً، وذلك بأن يصلي له، وأن يصوم له، وأن يحج له، وأن يعبده بكل شيء هو لله وحده! هكذا يتوهمون، وليس الأمر كذلك، إن الشرك أخطر من هذه الدائرة الواسعة.

إن إنساناً إذا عبد الله عز وجل حياة نوحٍ عليه الصلاة والسلام، ثم نادى غير الله يوماً ما، في ساعة ما، دعاه دون الله، بل دعاه مع الله؛ فقد أشرك مع الله وحبط عمله، كما قال عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥] .

دعاه من دون الله كأن يقول كما تسمعون كثيراً: يا باز! هذا دعاء من دون الله، دعاه مع الله فقال له: يا باز! هذا دعاء مع الله، ولو كان الأمر بالذوق فقط لقلت: إن مناداة غير الله مع الله أقبح، وانتبهوا لما أقول: لو كان الأمر بالذوق -والآن الأمر واحد؛ لأنه كله شرك- لقلت: إن مناداة عبد من عباد الله لا يسمع ولو سمع لا يستجيب، مناداته مع الله أقبح من أن ينادى من دون الله؛ لأن ذكر هذا العبد مع الرب قد يشعر بأن الله وحده لا يكفيه ولا يغنيه، بينما لو نادى العبد وحده فهذا المفهوم الخاطئ لا يخطر في البال، وهو لا شك أشرك حينما نادى الباز، لكن حينما قال: يا الله! يا باز! كأنه يشعر أو يؤكد بأن الله غير كافٍ عبده، فهو يقول: وكأنه يستدرك، يا الله! يا باز! كأن مناداة الله لا تكفي، فيستغيث بعبد الله عز وجل الملقب عندهم بالباز.

فهؤلاء الذين ينادون غير الله عز وجل لم يفقهوا الإسلام الذي ينبغي أن يكونوا عليه، فإذا ما رزقوا كفافاً كان لهم طوبى وحسن مئاب.

لذلك يجب عليكم جميعاً أن تهتموا بفهم كلمة التوحيد التي ينبني عليها علم التوحيد كله، على أساس ما كان عليه السلف الصالح من الكتاب والسنة، حتى إذا ما جاءت بشرى لنا كهذه التي بين أيدينا الآن كنا أهلاً لها.

أما من كان في قلبه شيءٌ من الشرك -والعياذ بالله- فلا تفيده هذه البشرى، بل لا تفيده كل أعماله الصالحة، كما قال ربنا عز وجل في القرآن، في حق المشركين، ولا محاباة عند رب العالمين، لا فرق بين مشرك يقول (لا إله إلا الله) بلسانه، ولما يدخل الإيمان إلى قلبه، وبين نصراني أو يهودي أو مجوسي أو ملحد، وكل هؤلاء مشركون، وكلهم يدخلون في عموم قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:٢٣] .

لذلك نحن نحمد الله أن جعلنا مسلمين ولو بالوراثة، ولكن الحمد الكامل أن نسعى إلى أن نتفقه في الدين، وأول ذلك وأصله وأسَّه أن نعرف هذا الإسلام الذي أصبح مجهولاً عند جماهير المسلمين اليوم، فلا غرابة أن يصبحوا أذلاء، يخشون من كانوا من قبل أذل الأمم، فلا يستطيعون أن يخرجوهم من بلادنا، لا نقول: من بلادهم؛ ذلك لأن هذا العدد الضخم من المسلمين الذي يبلغ ثمانمائة مليوناً أو يزيد، هم كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل) .

لماذا هذا