للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمثلة على حجية خبر الآحاد]

مثلاً: شيء من هذه الأخبار العامة، الآية المشهورة: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:١٢٢] لماذا هذا النفر؟ ليتفقهوا في الدين.

فما هو التفقه في الدين؟ أيضاً يأتي هنا اصطلاح آخر نقول: لا بأس به إذا لم يتعارض أيضاً مع نصوص الشريعة، ما هو الاصطلاح؟ الاصطلاح: أن الفقه هو فهم الأحكام الشرعية حرام، حلال، فرض، واجب، مستحب، مندوب، مباح إلخ، لكن هذا بالمعنى الشرعي أوسع: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:١٢٢] أي: ليتعلموا الدين ويفهموه جيداً، الدين بمفهومه العام عقيدةً وأحكاماً، فهو يقول بهذه الآية: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:١٢٢] فرقة: جماعة أو قبيلة، طائفة: واحد فأكثر لغةً.

والله عز وجل يحض المسلمين في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرةً، ثم الأمة الإسلامية جميعاً تبعاً لهم؛ يحض طائفة منهم على أن ينفروا، وأن يخرجوا، وأن ينطلقوا، ويسافروا إلى المركز أو إلى الشط الذي فيه من يعلم الناس دينهم ويفقههم فيه.

الشاهد هنا من الاستدلال بالآية بلفظة (طائفة) فهذه الطائفة تشمل الفرد وما هو أكثر من ذلك، قال في تمام الآية: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة:١٢٢] أي: ليبلغوهم ما تلقوه من الفقه في الدين.

إذا عرفنا أن الفقه بمعناه الشرعي أوسع منه في معناه الاصطلاحي أولاً، وعرفنا أن الطائفة تعني الواحد فأكثر؛ حينئذٍ يظهر لكم أن الآية دليل على عدم ذلك التفريق الحادث المحدث؛ ذلك لأن هذه الطائفة؛ الواحد، أو الاثنان، أو الثلاثة، أو أكثر؛ واجبهم بنص هذه الآية أن يتلقى الفقه من صاحب الفقه، وهو مباشرة في هذا الحديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا واجبه الأول، ثم واجبه الآخر أن يرجع إلى قومه فينذرهم ويبشرهم ويعلمهم ويفقههم.

إذاً: هل تقوم الحجة بخبر الواحد في الفقه في الدين كله بدون ذلك التفريق الحادث؟

الجواب

الآية صريحة في ذلك؛ لأنها لا تفرق، بل تطلق حكم التفقه في الدين، وذلك يشمل العقيدة والأحكام، بل نقول: يشمل العقيدة قبل الأحكام؛ لأن العقيدة أصل الأحكام كما شرحنا لكم آنفاً، سواءً على فهمنا أو على فهم غيرنا في اصطلاحهم، فإن العقيدة عندهم أهم الأحكام؛ لأن الأحكام إذا تجردت من العقيدة لم يبق لها قيمة مطلقاً.

إذاً: على اصطلاحهم تبليغ العقيدة على هذه الطائفة أوجب عليهم من أن يبلغوا الأحكام الشرعية فقط، أما نحن فلا تفريق عندنا، فعليهم أن يبلغوا كل ما تفقهوا به من الدين؛ سواء كان عقيدةً أو كان حكماً شرعياً، وهو في الوقت نفسه كما شرحنا يتضمن عقيدة.

أما في السنة فكذلك نجد الأحاديث تأتي مطلقة، مثلاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (بلغوا عني ولو آية) وهنا لا بد من لفت النظر؛ ففيها حضٌّ على نقل جملة عن الرسول عليه الصلاة والسلام سواءً قال لهم: هذه آية من القرآن أو لم يقل لهم ذلك، فتكون هذه الجملة من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي من الناحية العملية في الشريعة الإسلامية كالقرآن لا نفرق بين الله ورسوله؛ فإذاً: هنا نص عام لا نفرق بين جملة تتعلق بالعقيدة، أو جملة تتعلق بالأحكام الشرعية.

ومن ذلك أيضاً حديث مشهور: (نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها كما سمعها، فرب حامل فقهٍ إلى غير فقيه، ورب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه) .

أيضاً هنا دعا الرسول عليه الصلاة والسلام بالمباركة والسلامة لمن يسمع من الرسول عليه الصلاة السلام مقالةً له ثم ينقلها إلى غيره، سواء كان في مرتبته في الطبقة والمعاصرة والعلم، أو كان دون ذلك في الطبقة والعلم.

فالشاهد: نصوص الكتاب والسنة كلها على هذا النمط، لا تأتي بالتفريق في الحَضَّ والفرض في طلب العلم بين أحاديث تتعلق بالعقيدة أو أحاديث تتعلق بالأحكام الشرعية.