ما حكم اجتهاد الصحابة، مثلاً: عندما اجتهد أبو هريرة في مسألة إطالة الغرة في الوضوء حين قال: [أطيلوا الغرة] ، هل يؤخذ بهذا الاجتهاد أم لا يؤخذ؟
الجواب
في اعتقادي أن هذا سؤال مهم، وله صلة وثقى بالبحث الشرعي أقوال الصحابة يمكن أن نقسمها إلى أقسام: أولاً: أن يكونوا اتفقوا على قول واحد، ولست أعني من الاتفاق الإجماع، وإنما أعني أنه ورد إلينا عن جماعة من الصحابة نقول صحيحة، إما يفسرون نصاً من القرآن، أو من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، أو يثبتون حكماً لا يعلمون له مخالفاً في الكتاب والسنة، هذا النوع من أقوال الصحابة حجة، ويجب الأخذ به، وهو داخل في كلام السائل.
النوع الثاني: تأتي عن الصحابة أقوال مختلفة، مثل فعل أبو هريرة هذا، فهل هذا الفعل من أبي هريرة حجة أم لا؟ في نظري أن السؤال لا يعني تحرير القول في هذه المسألة، وإنما يعني: ما هو موقف المسلم من مثل هذه المسألة هل يجوز الأخذ بقول هذا الصحابي وأمثاله إذا لم يكن هناك أقوال من صحابة آخرين تدعم قوله؟ فالذي أعتقده أن قول الصحابي في حد ذاته ليس حجة، والمسلم يخير بين أن يأخذ به أو لا يأخذ، لكن إذا اطمأن إلى أنه رأي لصحابي جليل وليس لديه ما يخالفه فأخذ به فلا بأس عليه، وإن تركه -أيضاً- فلا بأس عليه؛ لأنه ليس ملزماً بأن يأخذ بقول صحابي واحد ليس هناك في الشرع ما يدل على صحته، لكن إن أراد السائل بسؤاله تحديد موقفنا بالنسبة لـ أبي هريرة وما ذهب إليه من إطالة الغرة، فنحن نقول: إن هذا مذهب ندعه لـ أبي هريرة، ولسنا مكلفين بالأخذ به؛ لأسباب كثيرة منها: أنه ثبت في سنن أبي داود وغيره من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توضأ قال بعد وضوئه:(فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم) ، ونحن نعلم حتى من حديث أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يشرع في العضد، إنما كان يغسل الذراعين مع المرفقين، كذلك ما كان يغسل شيئاً من ساقه، وإنما يغسل قدميه وكعبيه هذا شيء.
الشيء الثاني: نجده في عمل أبي هريرة، وهو أنه ما كان يدعو الناس إلى إطالة الغرة، فقد جاء في رواية في صحيح مسلم أن رجلاً من التابعين لاحظه حينما يتوضأ وأبو هريرة لا يحس به، فلما رآه توضأ وأطال غرته سأله:(أهكذا الوضوء؟ فقال له أبو هريرة: أنتم ههنا يا بني فروخ؟) ما كان يعلم أن هناك رجلاً يراقبه، ففي هذا إشعار بأن هذا الفعل الذي كان يفعله أبو هريرة وهو إطالة الغرة شيء خاص به وهو مقتنع به، ولا يريد جعله شرعاً عاماً يستمر إلى يوم القيامة، فبهذا وهذا، وتفرد أبي هريرة بذلك كتفرد ابن عمر بإيصال الماء إلى شحمة العين، هذا من المبالغات التي تزيد بطبيعة الحال على هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في وضوئه.
فلذلك نحن لا نلزم بأخذ مثل هذه الأقوال الغريبة، وندع أمرها إلى أصحابها، ولسنا مكلفين بها، فباختصار: يجب أن نفرق بين قول تواردت عليه أقوال جماعة من الصحابة منهم وليس لهم مخالف، وبطبيعة الحال ليس في الكتاب والسنة ما يخالفه، فهذا القول يجب أن نتمسك به.
الشيء الثالث: قول متعارض، صحابي يقول هكذا وصحابي يقول هكذا، فنحن لسنا ملزمين لا بهذا ولا بهذا، وإنما نحكم القرآن الكريم كما سمعتم، ثم يأتي قول شاذ عن فرد من أفراد الصحابة، فالأولى ألا نتكلف بالأخذ به، ومثاله: إطالة الغرة من أبي هريرة.
أما الزيادة التي في آخر الحديث:(فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) فهي ليست من الحديث، هذا كما يقول الحافظ ابن حجر، ومن قبله ابن تيمية، ومن قبلهم جميعاً الحافظ المنذري: هذه زيادة مدرجة في الحديث وليست من الحديث، فإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز الاعتماد عليها.