للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جواز أخذ العلوم الدنيوية من غير المسلمين]

وبالطبع! فإن هذا لا يدخل في الأمور الدنيوية، حتى لا يقول قائل: إن الإسلام حجر على العقول، وضيق على الأفكار؛ لأن العلوم المختلفة هي عامة شاملة لدى الأمم الأخرى، ولا يمكن أن نهمل أو نطرح ما يأتي به الأجانب وغير المسلمين من تقدم علمي، أو تفوق حضاري في بعض العصور.

هذا صحيح، فإن العلم الدنيوي غير خاص بالمسلمين، والعقل الإنساني يعمل، والأمم الأخرى تعمل وتنهض، والحضارة والتقدم العلمي الدنيوي كما يقال: متداول بين الأمم، فيومٌ يكون الحكم لهذه الأمة ويوم لتلك، وهي جميعاً تسير وتعمل وتبني هذه الحضارة المادية، في ناحية العلم لم يحرج علينا ربنا سبحانه وتعالى أن نأخذ عنهم العلم الدنيوي المحض الصناعي، الذي يفيد، مثلاً: علم الزراعة، وعلم الكيمياء، وعلم الفيزياء، والفلك ولكن بشريطة ألا يخالف شيء من هذه العلوم ومن هذه المبتكرات ما جاءنا به الإسلام الحنيف.

لأن هناك من مبتكرات العلم ومن نظرياته أموراً قد نجدها تخالف الإسلام فلا يجوز أن نقبلها؛ لأن الإسلام حق لا يتطرق إليه الريب والشك، أما هذه العلوم فهي من فعل بشر، وهي من صفات أناس يحتملون الخطأ والصواب، ولا يخلون من أغراض ومن أهواء، فلذلك إذا اصطدم النص الشرعي الواضح الصريح القطعي بنظرية علمية، أو أفكار خبيثة فيجب أن تكون ثقتنا بما جاء عن الله ورسوله لا غير، فيجب أن نقدمهم على هذه الأمور التي تأتينا من آخرين.

أقول: لا حرج من قبول هذه العلوم بهذا الشكل، وعمدتنا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور الذي هو حديث تأبير النخل، وخلاصته (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء المدينة وجد أهل المدينة يؤبرون النخل فسألهم عما يفعلون، فقالوا: شيء اعتدنا عليه، فقال: لو لم تفعلوا لكان خيراً، فتركوه، فنقصت ثمرته، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فيما بعد فقال: إذا حدثتكم عن أمر من أمور دينكم فخذوا به، وإذا حدثتكم عن أمر من أمور دنياكم فأنتم أعلم بأمور دنياكم) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

إذاً: هناك أمران من الأمور: أمور دينية تتضمن العقائد، والأخلاق، والأفكار، والتصورات، والقيم، والثقافة، والأدب، فهذه يجب ألا نقبلها إلا عن طريق كتابنا، ولا نأخذها إلا من طريق الوحي الصادق الصحيح الذي جاء به عليه الصلاة والسلام.

وهناك أمور دنيوية بحتة واجتماعية وعلمية، فيجوز أن نأخذها منهم، بل يجب، لكن بالشرط السابق ألا نأخذ ما يخالف ما جاءنا به الوحي الصادق وعن طريق خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام.