هذا التحذير والتنبيه في العصر الحاضر هو بلا شك أمر واجب ومهم جداً، ولكن الذي أعتقده أن هناك ما هو أهم من هذا الذي يحذر منه هؤلاء الكتاب الإسلاميون، ومما يحتاج إلى التنبيه والتحذير أكثر وأكثر، وفي ظني أن الذي حفز ودفع هؤلاء الكتاب إلى مثل هذا التنبيه الذي يشكرون عليه، هو ما تورطت به كثير من الدول الإسلامية من تحكيم القوانين الأرضية، ولا أقول كما يحلو لبعض الكتاب أن يقولوا اليوم: دون التشريعات السماوية، ولكني أقول: دون التشريع السماوي الذي لا ند له ولا شريك له أيضاً، ألا وهو شريعة الإسلام؛ لأن تلك الشرائع التي كانت تقدمت الإسلام أصبحت في حكم الإسلام في خبر كان.
فلا ينبغي أن نقيم لتلك الشرائع وزناً، هذا لو افترضنا أنها بقيت كما أنزلها الله دون تغيير ودون تحريف وتبديل، فكيف وقد عرض لها ما لا يخفى على أي مسلم من الزيادة والتبديل! فقد أصبحت منسوخة بحكم قوله تبارك تعالى:{وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}[المائدة:٤٨] فالقرآن ومن أُنزل عليه القرآن محمد عليه الصلاة والسلام، هو الذي يسيطر بكتابه على كل الشرائع السابقة، ولو كان أصحاب تلك الشرائع أحياء لما وسعهم إلا أن يكونوا من أتباع محمد بن عبد الله، كما جاء في الحديث الصحيح، حينما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يقرأ في صحيفة، فلما سأله عنها قال: هذه صحيفة من التوراة كتبها لي رجل من اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام:(يا ابن الخطاب! أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟! والذي نفس محمد بيده لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) .
فلا أقول: إن أولئك الكتاب أحسنوا جداً حينما نددوا بهذه القوانين التي نبعت من الأرض ولم تنزل من السماء، ولا أقول: إن هذه القوانين إنما الإنكار عليها لأنها لم تستند إلى الشرائع السابقة، وإنما أقول: الإنكار عليها لأنها لم تستند إلى شريعة الإسلام؛ لأن الدين عند الله هو الإسلام فقط لا غير.