للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اهتمام الإسلام بصحة المسلم]

قد أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وجوب محافظة المسلم على نشاطه وقوته في بدنه، حينما بلغه أن رجلاً من أصحابه يبالغ في طاعة الله تبارك وتعالى؛ حيث كان يصلي الليل كله، ويصوم الدهر كله، ولا يأتي نساءه، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعاه -وهذه قصة فيها بعض الطول لا مجال الآن لذكرها بتمامها، إنما الغرض الآن أن أذكِّر باهتمام الإسلام بصحة المسلم، وضرورة محافظته على بدنه- فدعاه وقال له عليه السلام: (إن لجسدك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولزورك -أي: من يزورك- عليك حقاً) ، زاد في حديث آخر أو في قصة أخرى: (فأعط كل ذي حق حقه) .

وكان في هذه القصة أن هذا الرجل العابد الزاهد في الدنيا والذي كان من زهده أنه لما زوجه أبوه كأنه لم يتزوج، لم يقرب زوجته لانشغاله واستغراقه في وقته كله على عبادة الله عز وجل طلب هذا الزاهد العابد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصوم أكثر مما رخص له في أول الأمر، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزيده في أيامٍ يصومها أكثر مما رخص له في أول الأمر، إلى أن قال له في نهاية المطاف: (صم يوماً وأفطر يوماً، فإنه أفضل الصيام، وهو صوم داود عليه الصلاة والسلام، وكان لا يفر -هنا الشاهد- إذا لاقى) ، أي: عدوه، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعظ ذلك الصحابي الزاهد بألا يزيد على الصيام نصف الدهر، يصوم يوماً ويفطر يوماً، وعلل ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله: (فإنه أفضل الصيام، وهو صوم داود عليه السلام) لماذا قال عليه الصلاة والسلام: (وهو صوم داود) ؟ لأنه جاء في حديثٍ في صحيح البخاري: (كان داود عليه السلام أعبد البشر) أعبد البشر هو داود نبي الله، وهو والد سليمان، كان أعبد البشر، ومع ذلك كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وما هي الحكمة من هذا الصيام؟ قال: (وكان لا يفر إذا لاقى) أي: كان يجمع بين أن يعطي لنفسه حقها من عبادة ربها من جهة، وبين أن يعطي لجسده قوته من جهة أخرى؛ ليتمكن بهذه القوة من مقاتلة أعداء الله عز وجل، ولذلك جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} [البقرة:٢٥١] لو كان داود عليه السلام يصوم الدهر كله لما استطاع أن يقضي على ذلك الكافر الجاحد المنكر.

فإذاً: السعي وراء تقوية الجسم لطلب الرزق الحلال هذا أمرٌ مرغوبٌ فيه، واعتبر ذلك الشارع الحكيم -كما سمعتم في قصة الشاب الجلد- جهاداً في سبيل الله عز وجل.