الدليل الأول: حديث عمر: (إن الذين يصنعون هذه الصور ... )
أولاً: عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) رواه البخاري ومسلم.
فهذا الحديث يحرم التصوير، ويبين أنه من كبار المعاصي؛ لأن الرسول عليه السلام يصرح بأن هؤلاء الذين يصنعون ويصورون هذه الصور يُعذبون يوم القيامة تعذيباً -أقول من باب التوضيح- يكاد يكون أبدياً، لأنهم يعذبون حين يقال لهم: أحيوا ما خلقتم، فإن استطاعوا إحياء ما خلقوا انتهى العذاب، ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، كما سيأتي في بعض الأحاديث الآتية.
ويجب أن نلاحظ هنا أن في الحديث اسم إشارة: (إن الذين يصنعون هذه الصور) فما هي الصور التي أشار الرسول عليه الصلاة والسلام إليها باسم الإشارة (هذه) في قوله: (إن الذين يصنعون هذه الصور) ؟ إن الوقوف عند هذا الاسم ومحاولة فهمه فهماً صحيحاً، يزيل إشكالاً واضطراباً كثيراً عند بعض الناس من الراغبين في معرفة الحقائق الفقهية، فإنهم حينما يسمعون بعض المؤلفين -اليوم- والكتاب يحملون كل الأحاديث المُحرِّمة لِلتصوير على تصوير المجسم، أي: على نحت الأصنام.
هكذا يتأولون الأحاديث المُحرِمِّة للتصوير.
فقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الذين يصنعون هذه الصور) ماذا يقصد بهذه الصور؟ أهي كما قال هؤلاء: الأصنام؟ أنا أقول: هذا أبعد ما يكون عن مقصود الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث، وبخصوص اسم الإشارة (هذه) ، لماذا؟ لأن الرسول عليه السلام قال هذه الأحاديث في المدينة حيث لم يبق للتماثيل وللأصنام بقية تذكر مطلقاً، بعد أن نصر الله عز وجل نبيه بفتح مكة، وحطم الأصنام التي كانت موضوعة على ظهر الكعبة، فانطمس الشرك وآثاره بالكلية، ولكن بقيت بقايا من الصور التي قد تكون يوماً ما سبباً لعودة الشرك إلى قوَّتِه التي كان عليها قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، فأنا أستبعد جداً أن يعني الرسول عليه السلام باسم الإشارة (هذه) الأصنام التي قَضَى عليها وحطمها.
فالأقرب أنه يعني صوراً كانت لا تزال منبثة، ولا يزال المسلمون يقتنونها في بيوتهم وخيامهم، وغيرها من الأماكن، فهو عليه الصلاة والسلام حين قال: (إن الذين يصنعون هذه الصور) يشير إلى صور قائمة ومنبثة بين الناس، ويؤكد هذا المعنى أن حديث عائشة رضي الله عنها -الآتي- في بعض رواياته وألفاظه: أن الرسول عليه السلام حينما دخل عليها ورأى القرام -الستارة- وعليها الصور، قال: (إن أشد الناس عذاباً هؤلاء المصورون) ، فهو يشير إلى هؤلاء الذين يُصورِون الصور على الستائر، ولا يعني الأصنام؛ لأن الأصنام لم تكن في بيت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها.
إذاً: قوله: (إن الذين يصنعون هذه الصور) لا يعني بها الصور المجسمة مباشرة، وإنما يعني الصور غير المجسمة، ويسميها الفقهاء: التي لا ظل لها، فإذا حرم الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الصور غير المجسمة أو التي لا ظل؛ لها فمن باب أولى حينئذ أن يُحرِّم الأصنام والتماثيل.
ومن باب التحذير من تعاطي هذه الصور صنعاً واقتناءً، يبين الرسول عليه السلام في هذا الحديث ما هي عقوبة الذين يُصورِون هذه الصور، فيقول: (يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) ولا يستطيعون إحياءهم، فهو كناية عن استمرارهم في العذاب إلى ما شاء الله، واستمرارهم في العذاب يختلف باختلاف واقع الإيمان في قلوبهم، فمن مات منهم مؤمناً فسينجيه إيمانه يوماً ما من أن يستمر تعذيبه في النار، ومن مات مُستحِلاً لِمَا حرَّم اللهُ فقد عرفتم من البيان السابق أنه كافر، وأنه يُخلد في النار إلى أبد الآبدين.
هذا هو الحديث الأول، وهو من حديث عمر مما رواه البخاري ومسلم.